فإن قيل : إن نوحا ـ عليه الصلاة والسلام ـ قد دعا على قومه بالهلاك.
قيل : إنما دعا على قومه بالهلاك بعد ما أيس من إيمانهم ؛ حيث قيل : (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) [هود : ٣٦] ، أما رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يؤيسه عن إيمان قومه جملة ؛ إنما يؤيسه عن بعض بطريق التعيين ، وهم قوم علم الله أنهم لا يؤمنون ، لا عن الكل ؛ فلذلك لم يؤذن بالدعاء عليهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَكَذَّبُوا عَبْدَنا) يحتمل : كذبوه فيما ادعى لنفسه الرسالة.
أو كذبوه فيما دعاهم إليه بالتوحيد وتوجيه الشكر إلى الواحد القهار.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالُوا مَجْنُونٌ) ، أي : قالوا لأتباعهم : إنه مجنون.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَازْدُجِرَ) ، أي : نوح ـ عليهالسلام ـ حيث قالوا لقومهم : لا تتبعوه ، وزجروهم عنه بقولهم : إنه مجنون ؛ فهذا منهم زجر لأتباعهم عن اتباعه ؛ فصار لذلك نوح ـ عليهالسلام ـ مزدجرا عن القوم ، وصار القوم مزدجرين عنه.
وقال بعضهم : زجروا نوحا ـ عليهالسلام ـ أي : منعوه عن إظهار ما أتاهم من الآيات على رسالته ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) ، أي : مغلوب بالسفه والمكابرة وأنواع الأذى ؛ إذ لا يحتمل أن يكون مغلوبا بالحجج ، فانتصر لعبدك عليهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ) يحتمل قوله ـ تعالى ـ : (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ) أي : من فوق ؛ لأن ما كان من فوقك فهو سماء ؛ فيحتمل أن يكون ذلك من البحر بفوق الذي ذكر أنه بين السماء والأرض.
(وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) ، أي : أنبعنا الماء من الأرض ؛ كأنه قال : أنزلنا الماء من فوق ، وأنبعنا من أسفل.
ويحتمل أن يكون قوله ـ تعالى ـ : (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ) هو حقيقة فتح السماء وإنزال الماء منها ، والله ـ تعالى ـ قادر أن يرسل الماء مما يشاء ، وكيف [شاء] ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بِماءٍ مُنْهَمِرٍ) قيل (١) : منصب.
وقال أبو عبيد : (مُنْهَمِرٍ) ، أي : كثير سريع الانصباب ؛ يقال : همر الرجل : إذا أكثر في الكلام ؛ فأسرع.
وقال أبو عوسجة : انهمرت السماء وهمرت ، أي : أمطرت ؛ فأكثرت.
__________________
(١) قاله سفيان ، أخرجه ابن جرير عنه (٣٢٧٤١).