وقوله : (جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ) أي : حمل نوحا ـ عليهالسلام ـ وأتباعه في السفينة ونجاهم من الغرق جزاء ما كفر به قومه ؛ كذا قال عامة أهل التأويل : إنه أخبر لنوح ـ عليهالسلام ـ حين كفر به قومه فلم يؤمن به قومه.
وقال مجاهد : جزاء لمن كان كفر بالله ـ تعالى (١) ـ أي : الغرق جزاؤهم ؛ لما كفروا بالله تعالى.
وقال أبو معاذ : وقرئ : جزاء لمن كان كفر بنصب الكاف ، وتأويل هذه القراءة : أي : إهلاك من أهلك من قومه ؛ جزاء لما كفروا بالله ـ تعالى ـ أو بنوح ، ـ عليهالسلام ـ.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً) يحتمل وجهين :
أحدهما : تركنا سفينة نوح ـ عليهالسلام ـ بعينها مدة طويلة حتى صارت آية لأواخرهم ولمن بعدهم ؛ وبه يقول قتادة ؛ قال : أبقى الله ـ تعالى ـ سفينة نوح ـ عليهالسلام ـ بينة للمسافرين من أرض الجزيرة حتى نظرت إليها أوائل هذه الأمة (٢) ، وكم من سفينة كانت بعدها ، فصارت رمادا.
والثاني : تركنا آية آثار تلك السفينة وأنباءها آية لمن بعدهم ؛ لأن أنباءها قد بقيت في المتأخرين حتى عرفوا أن من نجا لم نجا؟ ومن هلك لم هلك؟ والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) عن الأسود قال : قلت لعبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) أو (مذّكر)؟ فقال : أقرأني رسول الله صلىاللهعليهوسلم مدكر بالدال.
قال أبو عبيد : وأصله في العربية : «مدتكر» ، فإنه من باب الافتعال على وزن مفتعل ، فثقل لاجتماع التاء والدال ، فأدغم الحرف الأول ـ وهو الدال ـ في التاء ؛ فانقلب دالا ، وهو كقوله : «ادخر» ، أصله : «ادتخر» ، من «الدخر» لما قلنا ، والله أعلم.
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (مُدَّكِرٍ) أي : هل [من] متذكر متعظ ، يتعظ بما نزل بأولئك فينزجر عن مثل صنيعهم.
[و] قال قتادة : فهل من طالب خير ؛ فيعان عليه (٣).
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٣٢٧٥٨) ، (٣٢٧٥٩) والفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ١٨٠).
(٢) أخرجه ابن جرير (٣٢٧٦٢) وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ١٨٠).
(٣) أخرجه ابن جرير (٣٢٧٦٨) ، (٣٢٧٦٩) وعبد بن حميد عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ١٨٠).