ويحتمل : ففروا إليه في جميع حوائجكم ، ولا تطلبوا شيئا من ذلك من غيره ؛ فإنه هو القادر عليها حقيقة ؛ فيكون في الآية ترغيب في الرجوع إليه في الحوائج ، وقطع الطمع عن غيره ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) يحتمل وجوها : يحتمل : إني نذير لمن عبد دونه ، أو سمى دونه إلها ، (مُبِينٌ) آيات ألوهيته ووحدانيته.
ويحتمل : إني لكم منه نذير مبين ؛ لما يقع لكم به النذارة والبشارة.
وقال أبو بكر الأصم : إني لكم منه نذير مبين بما نزل بمكذبي الرسل بتكذيبهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ).
أي : لا تسموا مع ألوهية الله تعالى لأحد دون الله : ألوهية ، ولا تسموا دون الله : إلها.
أو يقول : لا تعبدوا دون الله إلها آخر ؛ أي : معبودا آخر ؛ فإنه لا يستحق دون الله أحد للعبادة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) قد ذكرناه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) لم يذكر في هذا الموضع القول منهم : إنهم قالوا للرسول : إنك ساحر أو مجنون ، ولكن إن لم يكن مذكورا في ظاهره ، لكن ما ذكر أن أوائلهم كانوا يقولون لرسلهم ذلك ـ دلالة أنهم قد قالوا : إنه ساحر ، وإنه مجنون ؛ حيث قال : (كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) يصبر رسوله صلىاللهعليهوسلم على أذاهم بنسبتهم إياه إلى السحر والجنون ؛ كقوله تعالى : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) [الأحقاف : ٣٥] وغير ذلك من الآيات التي فيها الأمر بالصبر على أذاهم ، والله أعلم.
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ).
قال أبو بكر الأصم : إنما قالوا : ساحر أو مجنون ؛ لأن السحر والجنون عندهم واحد ؛ كقول فرعون لموسى ـ عليهالسلام ـ لما أتى به من الآيات : (إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً) [الإسراء : ١٠١] ؛ فلذلك قالوا مرة : ساحر ، ومجنون مرة.
ولكن هذا فاسد ؛ فإنه لا يحتمل أن يكون الجنون والسحر عندهم واحدا ؛ لأن الساحر هو الذي بلغ في العلم في كل شيء غايته ، والمجنون هو الذي بلغ في الجهل غايته ، ونسبوهم إلى السحر ؛ لما أتى لهم من الآيات ما عجز الناس عن إتيان مثلها ، وقد عرفوا هم أنها آيات ـ أعني : رؤساءهم وأئمتهم ـ لكن قالوا : إنها سحر ؛ على إرادة التلبيس