وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ).
أي : بسطناها ومهدناها (فَنِعْمَ الْماهِدُونَ) لكم الأرض ؛ حيث مهدها لكم مبسوطة مفترشة تجدونها كذلك ما كانوا وأينما كانوا ، من غير تكلف ، ويستعملونها كيف شاءوا في أي منفعة شاءوا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ).
قال بعضهم (١) : صنفين من الحيوان ؛ فإنه خلقهم ذكرا وأنثى.
وقال بعضهم : (زَوْجَيْنِ) ، أي : لونين ، نحو أبيض وأسود ، وأحمر وأصفر.
والأول قول الزجاج ، والثاني قول القتبي.
وأصله : أنه يخرج على وجهين :
أحدهما : (زَوْجَيْنِ) ، أي : شكلين ، فيعلمون ببعضه بعضا ، أو ضدين فيناقض بعضه بعضا ، والله ـ سبحانه وتعالى ـ ليس بذي شكل ، ولا ذي ضد ؛ فيدل ما أنشأ من الأضداد والأشكال على وحدانيته وألوهيته.
والثاني : خلق الأشياء مختلفين متضادين ؛ ليدل على إيجاب المحن عليهم من نحو عسر ويسر ، وغناء وحاجة ، وخير وشر ؛ ليمتحنهم على اختلاف الأحوال وتضادها ؛ فيرغبهم في كل مرغوب ، ويحذرهم عن كل مرهوب ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
أي : تذكرون آيات وحدانيته وألوهيته.
أو تذكرون ـ باختلاف الامتحان ـ البعث ، والثواب ، والعقاب ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) ، يحتمل وجوها :
قال بعضهم : ففروا إلى توحيد الله من الشرك به ؛ دليله قوله على إثره : (وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) وهو [قول] أبي بكر الأصم.
ويحتمل (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) أي : ففروا إلى ما دعاكم الله تعالى إليه عما نهاكم عنه ؛ كقوله سبحانه : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) [يونس : ٢٥] ، أي : ففروا إلى الأعمال الصالحة من الأعمال القبيحة.
ويحتمل : ففروا إلى ما وعد لكم من الثواب عما أوعد لكم من العقاب ؛ أي : فروا إلى ثواب الله عن نقمته وعقابه.
__________________
(١) قاله ابن زيد ، أخرجه ابن جرير عنه (٣٢٢٥٤).