على الأتباع والعامة ؛ لما عند الناس أن لا كل أحد يقدر على إتيان السحر ، فقالوا : إنهم سحرة للرسل لهذا ؛ وإنما نسبوهم إلى الجنون لما أنهم خالفوا الفراعنة والأكابر الذين كانت همتهم القتل وإهلاك من خالفهم في المذهب والأمر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ).
أي : أوصى أوائلهم أواخرهم في تسميتهم الرسل ـ عليهمالسلام ـ : سحرة ومجانين ؛ وأن يوافق بعضهم بعضا في نسبتهم الرسل إلى السحر والجنون ، أي : لم يزل الكفرة يقولون لرسلهم ذلك.
ويحتمل أن يكون ذلك على التمثيل ، لا على حقيقة القول منهم ؛ لما كان اجتماعهم لأجل هذا القول في كل وقت ؛ فصار ذلك الاجتماع منهم كالتواصي من بعضهم لبعض ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ).
يخبر أنهم لا عن جهل وشبهة قالوا : إنهم سحرة ، ولكن عن طغيان ، وتعدي حد لله ـ عزوجل ـ والمجاوزة له ؛ لأن الطاغي هو المجاوز عن الحد الذي جعل له ، والمتعدي عنه.
وقوله تعالى : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ).
قال بعض أهل التأويل : لما نزل هذا خاف رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ـ رضي الله عنهم ـ أنه ينزل بهم العذاب حتى نزل قوله تعالى : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ).
لكن عندنا يخرج قوله ـ تعالى ـ : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) على وجهين :
أحدهما : أي : تولّ عنهم ، فأعرض ولا تكافئهم بإساءتهم إليك بقولهم : إنه ساحر ، وإنه مجنون ؛ فإن الله تعالى سيكفيهم عنك ، ويجازيهم مجازاة إساءتهم.
والثاني : يأمره بالإعراض والتولي عن قوم علم الله تعالى أنهم لا يؤمنون ؛ يؤيسه عن إيمانهم ، ويقول : لا تشتغل بهم ؛ فإنهم لا يؤمنون لك ولا يصدقونك ، ولكن اشتغل بمن ترجو منه الإيمان ، والله أعلم.
وجائز أن يكون لا على حقيقة الأمر ، ولكن على التخيير ؛ أي : لك أن تتولى عنهم وتعرض ؛ فإنك قد بلغت ، وأعذرت في التبليغ والدعاء غايته ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ).
جائز أن يكون المراد من نفي الشيء إثبات مقابل ذلك الشيء وضده ؛ كقوله تعالى : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) [البقرة : ١٦] [ذكر] الربح ، والمراد : إثبات الخسران ؛ كأنه قال :