عتوهم أن قالوا : (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) [فصلت : ١٥] ، فأذلهم الله تعالى حتى خضعوا لأضعف شيء ، وأخافهم منه ، وهي الأصنام التي عبدوها ، حتى خوفوه وقالوا : (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) [هود : ٥٤] وذلك غاية الذل والهوان ، أن خافوا من أضعف شيء وأعجزه ، بعد ما بلغ من عتوهم وتمردهم أن قالوا : (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) [فصلت : ١٥].
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (الرِّيحَ الْعَقِيمَ).
قال أبو عوسجة : تفسيرها ما ذكر في الآية : (ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ).
وقال غيره : العقيم هو الذي لا خير فيه ولا بركة ؛ أي : عقمت عن الخيرات ؛ ولذلك يقال للمرأة التي لا تلد ، والرجل الذي لا يولد له : العقيم ؛ لما أنه ليس منهما منفعة الولد ولا بركته ؛ فعلى ذلك الريح العقيم ، أي : لا منفعة فيها ولا بركة ؛ فأما للمؤمنين ، فهي نافعة ـ أيضا ـ حيث أهلكت أعداءهم ولم تهلكهم ، وفي ذلك تطهير الأرض عن نجاسة الكفر.
وفي الخبر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «نصرت بالصّبا ، وأهلكت عاد بالدبور».
وقيل (١) : (الرِّيحَ الْعَقِيمَ) : هي الدبور ، وهي التي لا تلقح الأشجار والسحاب والنبات.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ).
أي : ما تذر من شيء أتت عليه ، وأمرت هي بإهلاكه ، وأذن لها بذلك ، إلا جعلته كالرميم ؛ ألا ترى أنها أتت على أشياء لم تهلكها ، وقد سلم ـ عليهالسلام ـ وقومه من المؤمنين ، وإلى أنهم لما رأوها من بعد قالوا : (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) [الأحقاف : ٢٤] ، فقال هود ـ عليهالسلام ـ (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ) [الأحقاف : ٢٤] ، وما ذكر (فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) [الأحقاف : ٢٥] ، أخبر أنها قد أبقت مساكنهم ، وهو ما ذكر في آية أخرى : (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها) [الأحقاف : ٢٥] ، أي : تدمر كل شيء أمرت وأذن لها بالتدمير ؛ ليعلم أنها كانت تعمل بالأمر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ).
أي : وفي أمر ثمود وإهلاكهم أيضا آية وحجة للمؤمنين.
ثم ذكر عتوهم وتمردهم (إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ) ، وهو الثلاثة أيام التي ذكرت في
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٣٢٢٢١) ، (٣٢٢٢٢) وله طرق أخرى ذكرها السيوطي في الدر المنثور (٦ / ١٣٩) وهو قول مجاهد والضحاك وقتادة وغيرهم.