من وجهين :
أحدهما : فيما خلق في الأرض من الخلائق.
والثاني : فيما في الأرض من أنباء السلف وأخبارهم من مكذبي الرسل ومصدقيهم ، أي : في هلاك من هلك من مكذبيهم ، ونجاة من نجا من مصدقيهم آيات لمن ذكر ، فهذه الأنباء والقصص التي ذكرت هاهنا تفسير لقوله : (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ) [الذاريات : ٢٠].
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ) هذا يخرج على وجهين :
أحدهما : أي : فتولى هو وركنه ، وهم جنوده وقومه عن اتباع موسى ـ عليهالسلام ـ وما يدعوهم إليه.
والثاني : فتولى هو بقوة ركنه ، وهم قومه ، أي : تولى عن الحق واتباع موسى ـ عليهالسلام ـ بقوة قومه ومعونتهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ).
سماه : ساحرا بما أتى من الآيات المعجزة ، وقومه إنما يعرفون وصف السحر على هذا الوجه ، فسماه بذلك وإن أيقن هو أن مثل ذلك الفعل لا يكون سحرا ؛ تمويها على قومه ، وسماه مجنونا ؛ لما خاطر بنفسه بمخالفته ، مع علمه أن همته القتل لمن خالفه في دينه وملكه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ)
وهذا يدل على أن تأويل قوله تعالى : (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ) أي : تولى هو ، وتولى قومه وجنوده.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ).
قال بعضهم (١) : (مُلِيمٌ) ، أي : يلام عليه.
وقال بعضهم : (مُلِيمٌ) ، أي : هو مذموم.
وقال القتبي : هو مذنب.
ثم دل قوله تعالى : (فَنَبَذْناهُمْ) على أن لله تعالى في أفعال العباد صنعا ؛ حيث أضاف ذلك إلى نفسه ، وهم الذين دخلوا في اليم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا).
أي : في أمر عاد بينة وآية وعبرة للمؤمنين ؛ كقوله تعالى : (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ) [الذاريات : ٢٠].
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) ، أي أهلكوا بالريح ، وقد بلغ من
__________________
(١) انظر : تفسير ابن جرير (١١ / ٤٦٨) ..