الآخر على قرب منه ليس بينهما زمان مديد ، لم يكن يبلغ إبراهيم ـ عليهالسلام ـ في ذلك المقدار من الوقت ما يخبر عن إياس الولد منه ؛ دل أن إسحاق هو المقدم ، وأنه كان أكبر من إسماعيل ـ عليهالسلام ـ.
إلا أن هذا خلاف ما عليه أهل التأويل : أن إسماعيل ـ عليهالسلام ـ كان أكبر من إسحاق عليهالسلام.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها).
ذكر هاهنا الإقبال ، وقال في آية أخرى في سورة هود : (وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ) [هود : ٧١] ، فجائز ألا يكون على حقيقة الإقبال ، ولكن لما ذكر فعلها ـ وهي الصرة ، وصك الوجه ـ ذكر الإقبال ، غير أن كان منها الإقبال من المكان أي : أقبلت فصكت وجهها في صرة ؛ كما قال ـ عزوجل ـ : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) [الفرقان : ٤٥] أمر بالرؤية والنظر إلى الفعل الذي ذكر ، وهو مد الظل ، وإذا ذكر النفس دون الفعل ، فالمراد منه النظر إلى نفسه لا غير ، والله أعلم ؛ فعلى ذلك هذا.
ثم قوله ـ تعالى ـ : (فِي صَرَّةٍ) أي : في ضجة.
وقوله : (فَصَكَّتْ وَجْهَها) ، أي : ضربت وجهها بيدها ؛ تعجبا منها بتلك البشارة التي بشرت بالولادة.
وقوله : (وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ) ، وكانت كما أخبرت عجوزا عقيما.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ.) أي : على علم بالحال التي أنت [عليها] ، بشرت بذلك ، لا عن جهل.
وقوله : (إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) ، أي : حكيم ، واضع الولد في موضعه ، العليم بمصالح الأمور وعواقبها ، والله أعلم.
وقوله : (قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) أي : ما شأنكم؟ ولأي أمر أرسلتم : بالبشارة خاصة ، أو لأمر آخر ، أو لهما جميعا؟ فأجابوا : (إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) ، وقال في آية أخرى : (إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ. إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ) ، كأن الاستثناء هاهنا لم يكن مذكورا في خبر الملائكة وإنما ذكر في الخبر الذي قال إبراهيم ـ عليهالسلام ـ حيث قال : (إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ) [العنكبوت : ٣٢] ؛ فدل ذكر الثنيا منهم بعد سؤال إبراهيم ـ عليهالسلام ـ وإخباره إياهم : أن فيها لوطا : أن تأخير البيان عن الكلام جائز ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ) ، دل قوله تعالى : (حِجارَةً مِنْ طِينٍ) على أن ما ذكر في آية أخرى : (حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) [هود : ٨٢] : أن السجيل ليس هو