فأعلمني به». فكان هو يصلي إلى وقت السحر ، ثم يدعو ويستغفر في ذلك الوقت.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) قال بعضهم (١) : إن الآية في الزكاة ، لكن هذا لا يحتمل ؛ لأن السورة مكية ، ولم يكن بمكة الصدقة المفروضة ؛ إلا أن يقال : إن السورة مكية إلا هذه الآيات إن ثبت.
وجائز أن يكون ذلك الحق ليس هو المفروض ، ولكن حق سوى الفرض.
وقيل : إن الآية نزلت في قوم خاص جعلوا على أنفسهم ألا يردوا سائلا ولا محروما ولا يمنعوا أموالهم من أحد ؛ فمدحهم بذلك ؛ ألا ترى أن ذكر الحق للسائل والمحروم ؛ وقد بين مصارف الزكاة للأصناف الثمانية بقوله تعالى : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ...) إلى قوله تعالى : (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) [التوبة : ٦٠].
ثم اختلف في تأويل المحروم والسائل :
قال عامة أهل التأويل (٢) : المحروم : هو الذي لا سهم له في الغنيمة والفيء بألا يحضر وقت قسمة الغنيمة ؛ فلا ينال شيئا منها ويحرم عن ذلك.
وقال بعضهم : المحروم : الذي هلك زرعه وكرمه ببلاء أصابه ، يحرم عن ذلك ، كما وصفهم في سورة الواقعة : (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ. بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) [الواقعة : ٦٦ ، ٦٧] فلما حرموا زرعهم وصفوا بذلك.
وقيل : المحروم : الذي لا يعلم حرفة ، وهو [لا يملك] كسبا ، وهو محارف أيضا (٣).
وقيل : المحروم (٤) : المتعفف الذي به فقر ، لكنه لا يسأل الناس شيئا ، والسائل : الطواف.
وعندنا : الفقراء ثلاثة : السائل الذي يطوف ، ويسأل الناس.
والمعتر : الذي يعتر الناس ، ويظهر حاجته للناس ، ويتعرض للسؤال ، ولا يسأل صريحا.
والمحروم : هو الذي يستر فقره وحاجته عن الناس ، لا يسألهم ، ولا يعتر لذلك.
ثم جائز أن يكون سماه : محروما ، أي : حرم المكاسب وأسباب العيش من التجارة
__________________
(١) قاله ابن عمر ، أخرجه عبد بن حميد عن قزعة عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ١٣٦).
(٢) قاله زيد بن أسلم ، أخرجه ابن جرير عنه (٣٢١٧٣) وقول ابن زيد أيضا.
(٣) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن أبي شيبة وابن جرير (٣٢١٤٣) ـ (٣٢١٤٧) من طرق عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ١٣٥) ، وهو قول مجاهد والضحاك وسعيد بن المسيب وغيرهم.
(٤) قاله قتادة أخرجه ابن جرير (٣٢١٦١) ، (٣٢١٦٤) ، وابن المنذر عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ١٣٦) وهو قول الزهري أيضا.