جنات وعيون ، وهم يكونون في جنات ، ويكونون في العيون بحيث يرونها ، وتقع عليها أبصارهم ، وينتفعون بها؟ وهو كقوله تعالى : (يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) [الدخان : ٥٣] ، وإنما هم يلبسون السندس ، فأما الإستبرق فهو البسط ، وغير ذلك من الانتفاع به ؛ فعلى ذلك ما ذكر من كون المتقين في جنات وعيون ، يكونون في الجنة ، وينتفعون بالعيون ، والله أعلم.
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) ، أي : الذين اتقوا الشرك والكفر.
ويحتمل : الذين اتقوا مخالفة الله على الإطلاق : عملا ، وقولا ، وفعلا ، واعتقادا.
ويحتمل : أي : الذين اتقوا المهالك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) يحتمل وجهين :
أحدهما : أي : قابلين ما آتاهم ربهم في الدنيا من القدرة والقوة والمال بحق الله تعالى ، والقيام بشكره ، والعبادة له ، والاستعمال في طاعته ؛ لذلك قال : (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ) أي : قبلوا ذلك بحق الإحسان ، فاستعملوها في حق الله تعالى والقيام بطاعته.
وعلى هذا التأويل كأنه على التقديم والتأخير : إن المتقين في جنات وعيون ؛ إنهم كانوا قبل ذلك محسنين ، آخذين ما آتاهم ربهم ، أي : إنما نالوا الجنة ؛ لما أنهم كانوا في الدنيا كذلك.
والثاني : ما قاله أهل التأويل : آخذين ما آتاهم ربهم في الآخرة ، أي : راضين بما أعطاهم الله من النعيم في الجنة ، وهو كقوله تعالى : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) [المائدة : ١١٥] ، وعلى هذا يخرج تأويلهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ) في الدنيا.
ثم نعت إحسانهم فقال ـ عزوجل ـ : (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ. وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
قال أهل التأويل جميعا (١) : أي : يصلون.
وإنما حملوه عليها ؛ لأن الاستغفار طلب المغفرة ، وذلك مرة بالصلاة ، ومرة باللسان ، ومرة بدفع المال.
ويحتمل حقيقة الاستغفار أيضا ، وإنما مدحهم بذلك ؛ لأن أرجى وقت الاستغفار وقت السحر ؛ لما روي عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال لنافع : «إذا كان وقت السحر
__________________
(١) قاله ابن عمر ، أخرجه ابن جرير عنه (٣٢١٣٨) ، وهو قول مجاهد والضحاك وغيرهم.