بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي) [يوسف : ٥٣] وقال : (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) [النازعات : ٤٠ ـ ٤١] ، وإن تركها حتى تمادى في هواها هلك ؛ قال الله ـ تعالى ـ : (فَأَمَّا مَنْ طَغى. وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا. فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى) [النازعات : ٣٧ ـ ٣٩] ، وقال في آية أخرى : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) [الفرقان : ٤٣] ونحوه كثير من القرآن.
والثاني : يذكر (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) أي : نحن مطلعون على ذلك ، ليس علم ذلك إلى الحفظة وهم يتولون كتابته ؛ أي : لم يجعل ذلك إلى أحد ، إنما ذلك إلى الله ـ تعالى ـ هو العالم بذلك ، وهو المطلع عليه دون الملائكة ، وإنما إلى الملائكة ما يلفظه ويفعل بالجوارح ؛ لقوله : (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ، وقال في آية أخرى : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ. كِراماً كاتِبِينَ. يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) [الانفطار : ١٠ ـ ١٢] أخبر أن الحفظة إنما يعلمون ما يفعلون ظاهرا ، أما ما يسرون في قلوبهم فالله هو المطلع على ذلك العالم ؛ ليكونوا أبدا على اليقظة والحذر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [لا] يفهم من قرب الرب ـ تعالى ـ إلى العبيد ما يفهم من قرب العبد إلى الله ـ تعالى ـ وإنما يكون قرب العبد إلى الله ـ تعالى ـ بالطاعة له ، والقيام بأمره ، والانقياد والخضوع له ؛ هذا هو المفهوم من قرب العبد إلى الله ـ تعالى ـ لا قرب شيء [من شيء] آخر ؛ فعلى ذلك يفهم من قرب الله ـ تعالى ـ إلى العبد الإجابة له ، والنصرة ، والمعونة ، والتوفيق على الطاعات ، وعلى ذلك ما يقال : فلان قريب إلى فلان ، لا يعنون قرب نفسه من نفسه والمكان ، ولكن يعنون نصره له ، ومعونته إياه ، وإجابته.
ويحتمل أن يذكر القرب منه كناية عن العلم بأحواله ظاهرا وباطنا ، والله أعلم.
وأصله أن تعتبر الأحوال فيما ذكر من القرب ، فإن كان في السؤال فالمراد أنه قريب منه بالإجابة له ؛ أي : يجيبه ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) [البقرة : ١٨٦] وإن كان فيما يسرون ويضمرون فيفهم من القرب في تلك الحالة العلم به ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ ...) الآية [المجادلة : ٧] ؛ فعلى ذلك قوله : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) ، وقوله : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ) [الواقعة : ٨٥] يفهم منه النصر والمعونة ، أو العلم ؛ فيكون قوله : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ) أي : أعلم وأولى به وأحق من غيره في النصر والمعونة ، وأولى به في الإجابة ، والله أعلم.