وعلى ذلك يخرج ما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «من تقرب إلى [الله] شبرا تقرب منه شبرين» على ما ذكرنا من قرب الطاعة له ، وقرب الرب إليه : بالنصر والمعونة ، لا قرب المكان ، ولا قوة إلا بالله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (حَبْلِ الْوَرِيدِ) قال بعضهم (١) : عرق العنق ، والوريد : العنق.
وقال بعضهم : هو عرق بين القلب والحلقوم.
وقال بعضهم : هو عرق القلب معلق به ، فإذا قطع ذلك العرق يموت الإنسان ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ. ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) أي : اذكر تلقي المتلقيين ، أو احفظ تلقي المتلقيين ، أو احذر تلقي المتلقيين ، وهما الملكان المسلطان على أعمالك وأقوالك ؛ إذ يتلقيان منك أعمالك وأقوالك ، ويحفظان عليك ، ويكتبان ؛ يذكر هذا ويخبرهم أن عليهم حافظا ورقيبا ، وإن كان هو ـ تعالى ـ حافظا لجميع أفعالهم وأقوالهم ، عالما بها فحفظ الملائكة وكتابتهم ، وعدم ذلك بمنزلة [واحدة] في حق الله ـ تعالى ـ لكن يخرج الأمر للملائكة بحفظ أعمالهم وكتابة ذلك على وجوه من الحكمة :
أحدها : ليكونوا على حذر أبدا مما يقولون ويفعلون ؛ على ما يكون في الشاهد من علم أن عليه حافظا ورقيبا في أمر يكون أبدا على حذر وخوف من ذلك الأمر ، وذلك أذكر له وأدعى إلى الانتهاء عن ذلك ، فعلى ذلك إذا علم العبد أن عليه حفيظا ويكتب ذلك عليه ، وأنه يكلف تلاوة ذلك المكتوب بين يدي الله ـ تعالى ـ فيستحي من ذلك أشد الاستحياء ـ يكون ذلك أزجر له ، وأبلغ في المنع ، وإلا كان إحصاء ذلك على الله ـ تعالى ـ مع الكتاب وغير الكتاب سواء ؛ إذ هو عالم بذاته ، لا بالأسباب ، وهو تأويل (لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) [طه : ٥٢] ، والله أعلم.
والثاني : من الحكمة امتحان الملائكة بحفظ أعمال بني آدم وأقوالهم ، وكتابة ذلك ، فيمتحنهم بذلك وأمرهم به ، ولله أن يمتحن الملائكة من شاء منهم بالتسبيح والتعظيم ، ومن شاء منهم بالركوع ، ومن شاء بالسجود ، ومن شاء بحمل العرش والكرسي ، ومن شاء بحفظ بني آدم ، ومن شاء منهم بسوق السحاب وإنزال المطر ، مما في ذلك منافع بني آدم ، ويكون ذلك كله بحق العبادة ؛ ليعلم أن من امتحن منهم بالركوع ، والسجود ،
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٣١٨٥٦) وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ١١٨).