وإحياء النبات والغرس ، وكل شيء بعد موته بذلك الماء ، فعلى ذلك قادر على إحيائكم بعد موتكم ، وبعد ما صرتم ترابا.
والأعجوبة في إحياء ما ذكر كله من الأرض والنبات والغرس إن لم تكن أكثر لم تكن دون ما في إحياء الناس من بعد موتهم ، فإذ قد عرفوا قدرته في إحياء ما ذكر وأقروا به ، كذلك لزمهم أن يقروا به في إحياء كل شيء ، والله الموفق.
قوله تعالى : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (١٣) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤) أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١٥) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (١٧) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)(١٨)
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ. وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ. وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ. أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) ذكر هذه الأنباء لوجهين :
أحدهما : يصبّر رسوله على أذى قومه وتكذيبهم إياه كما صبر أولئك يقول : إنك لست بأول رسول كذبه قومه ، بل كان قبلك رسل كذبهم قومهم ، فصبروا على ذلك ؛ فاصبر أنت ـ أيضا ـ وهو كقوله : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) [الأحقاف : ٣٥].
والثاني : يحذر قومه أن ينزل بتكذيبهم إياه وسوء معاملتهم به كما نزل بمن ذكر من الأقوام بتكذيبهم وسوء معاملتهم.
وعلى هذين المعنيين جميع ما ذكر في القرآن من الأنباء ، والله أعلم.
ثم أصحاب الرس اختلف في الرس :
[قيل] : هو بئر دون اليمامة ، وكان عندها أقوام كذبوا رسلهم ، فأهلكهم الله تعالى.
وقيل : الرس : هو الوادي.
وقال بعضهم : الرس : هو خد خدوه وجعلوا فيه الناس ، وأحرقوا فيها نبيهم ، عليهالسلام.
وقال بعضهم (١) : سموا بذلك لأنهم رسوا نبيهم ـ عليهالسلام ـ في البئر.
وقال بعضهم : هم قوم الرسل الذين ذكرهم في سورة يس بقوله ـ تعالى ـ : (إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ) [١٤].
__________________
(١) قاله عكرمة ، أخرجه ابن جرير عنه (٣١٨٣٨).