يعمل عملا إلا ويظهر فيه الضعف ، فإذا لم يعجز ولم يضعف في خلق ما ذكر ؛ دل ذلك على أنه إنما لم يضعفه ؛ لأن قدرته ذاتية ، ومن كانت قدرته ذاتية لا يعجزه شيء ، فأما غيره إنما يعمل بأسباب فيقدر على العمل على قدر الأسباب ويعجز ربما عنه ، والله أعلم.
أو يقول : إذ قد عرفتم أن الله ـ تعالى ـ هو خلق السموات والأرض ، ثم لا يحتمل أن يخلقهما عبثا باطلا ؛ إذ لو لم يكن بعث كان خلقهما باطلا عبثا ، وأصله ما ذكرنا بدءا : أن من قدر على إنشاء ما ذكر من السموات والأرض وما فيهما بلا احتذاء تقدم ولا استعانة بغير ، ثم الإمساك والقوام على التدبير الذي دبر إلى آخر الدهر ، لا يحتمل أن يعجزه شيء.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ؛ لأنه قادر بذاته ، لا بقدرة مستفادة.
قال أبو عوسجة والقتبي : قوله : (وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَ) يقال : عييت بهذا : أي : لم أحسنه ، ولم أقو عليه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا) مرة قيل لهم : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى) [الزمر : ٧١] ومرة قيل لهم : (أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا) يقص هذا عليهم يومئذ ليعترفوا بالذي كانوا ينكرون في الدنيا ؛ لأنهم كانوا ينكرون في الدنيا الرسل والآيات ، وكانوا ينكرون كون البعث وعذابه ، فيعرضون على النار ، فيقال لهم : هذا الذي وعدتم في الدنيا ، أليس هو حقا؟ فيعترفون ويقولون : (بَلى وَرَبِّنا) فيقال لهم : (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) في الدنيا ، والله أعلم.
وقوله : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) يلزم الرسل الصبر من وجوه ستة : ثلاثة مما خصوا هم بها ، لا يشركهم غيرهم فيها ، وثلاثة مما يشترك غيرهم فيها ؛ فأما الثلاثة التي خصوا بها :
أحدها : هم بعثوا لتبليغ الرسالة إلى الفراعنة والأكابر والجبابرة الذين كانت عادتهم وهمتهم القتل ، وإهلاك من خالفهم وعصى أمرهم ومذهبهم ، فلم يعذروا في ترك تبليغ الرسالة إليهم مع ما ذكرنا من خوف الهلاك والقتل ، فأمّا غيرهم من الناس قد أبيح لهم كتمان الدين الحق منهم حتى لا يهلكوا.
والثاني : ألزمهم الصبر بالمقام بين أظهر قومهم واحتمال ما كان يلحقهم منهم من