الاستهزاء بهم ، والافتراء عليهم ، والتكذيب لهم ، وأنواع الأذى الذي كان منهم إلى الرسل ، لم يؤذن لهم بمفارقتهم لذلك ؛ ولذلك قال : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) [القلم : ٤٨] ، لم يكن منه سوى الخروج من بين قومه لسلامة دينه لو لم يسلموا ، ثم أصابه ما أصاب بذلك الخروج لما لم يؤذن له بالخروج ، والله أعلم.
والثالث : لم يجعل لهم الدعاء على قومهم بالهلاك والعذاب وإن كان منهم من التمرد والتعنت ما كان.
فهذه الثلاثة من المعاملة مما خص الرسل ـ عليهمالسلام ـ بها من بين سائر الناس.
وأما الثلاثة التي يشترك فيها غيرهم :
أحدها : أمروا بالصبر على ما يصيبهم وينزل من البلايا والشدائد.
والثاني : أمروا بالمحافظة على العبادات [التي] جعلت عليهم ، ومحافظة حدودها ، والصبر على القيام بها.
والثالث : أمروا بالصبر على ترك قضاء الشهوة ، وترك إعطاء النفس هواها [و] مناها.
فهذه الثلاثة لهم فيما بينهم وبين ربهم ، وهي مما يشترك فيها غيرهم ، والثلاثة الأولى لهم فيما بينهم وبين الخلق ، وهم قد خصّوا بتلك الثلاثة دون غيرهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ).
قال بعضهم : أولو العزم من الرسل هم : نوح ، وإبراهيم ، ويعقوب ، ويوسف ، وموسى ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وهؤلاء عدوا نفرا منهم.
وقال بعضهم (١) : هم الرسل جميعا.
وجائز أن يكون أولو العزم من الرسل هم الذين كان منهم الصبر على ما ذكرنا من المعاملة مع قومهم.
وقيل : أولو العزم هم الذين كانوا أبدا المتيقظين ، القائمين بأمر الله ، الحافظين لحدوده ، وقال في آدم ـ عليهالسلام ـ : (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) [طه : ١١٥] ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) أي : لا تستعجل عليهم بالهلاك والنقمة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ) هذا يخرج على وجهين :
أحدهما : يقول ـ والله أعلم ـ : كأنك لا توعدهم بالعذاب إلا ساعة من النهار ،
__________________
(١) قاله ابن زيد ، أخرجه ابن جرير عنه. (٣١٣٣١).