أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٣٢)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ) أي : فرغ من قراءته (وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ).
قال بعضهم : إن النفر من الجن والإنس ، والنذر من الإنس ، فإن كان ما ذكر فجائز على هذا أن يكون النفر الذي ذكر أنه صرفهم إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليستمعوا القرآن منه هم النذر ، يدل على ذلك قوله : (وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ).
وفي ظاهر قوله ـ تعالى ـ : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) [الأنعام : ١٣٠] أن قد يكون من الجن الرسل كما يكون من البشر ، إلا أن يقال بأنه قد يذكر الاثنان والمراد به أحدهما ، وذلك جائز في اللغة ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) [الرحمن : ٢٢] وإنما يخرج من أحدهما وهو الملح ، فعلى ذلك هذا ، والله أعلم.
ثم يحتمل (صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِ) أي : ألهمناهم وقذفنا في قلوبهم حتى صاروا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتوجهوا إليه ؛ ليستمعوا القرآن منه.
ويحتمل أنه أمرهم في الكتب التي أعطوا معرفتها بالتوجه إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليستمعوا منه القرآن ؛ لأنه قال ـ عزوجل ـ على إثره خبرا عنهم : (قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) هذا يدل على أنهم قد عرفوا الكتب قبل هذا الكتاب ؛ حيث قالوا : (سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) فجائز أن يكونوا أمروا بتلك الكتب استماع هذا الكتاب والعمل به.
ويحتمل أن يكونوا عرفوا بذلك لما كانوا يسترقون السمع إلى السماء فيستمعون أخبار السماء ، ثم ينزلون فيخبرون أهل الأرض بذلك ؛ ليكون العلم لهم بذلك من الوجوه الثلاثة التي ذكرنا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ).
فيه دلالة لزوم العمل بخبر الواحد ؛ لأن النفر الذين حضروا رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الجن سمعوا القرآن منه وصدقوه كانوا قليلي العدد لما رجعوا إلى قومهم فإنما يرجع كل إلى قومه ، وقد يحتمل الاجتماع والتواصل على ذلك ، ودعا كل قومه إلى إجابة داعي الله ـ تعالى ـ وحذرهم مخالفته ، وأنه يحتمل ما ذكرنا من الأفراد والآحاد ، دل أن خبر الواحد حجة في حق العمل ، وهو ما قال ـ عزوجل ـ : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) [التوبة : ١٢٢] فكان العمل بخبر الآحاد والأفراد ظاهرا مشهورا في