ما نزل بأولئك الرجوع عن مثل صنيعهم ، ومثل معاملتهم.
فأحد التأويلين يرجع إلى انتشار ما نزل بأولئك في الآفاق ؛ ليرجعوا عن ذلك ؛ فيصير ذلك آية لهم ؛ فيحملهم على الرجوع عن صنيع أولئك ؛ ليرجعوا عن ذلك.
والثاني : إخبار أنه جعل لكل رسول ونبي آية على صدقه ، ودلالة على رسالته ؛ أي : لم يهلكهم إلا بعد لزومهم التصديق لهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً) هذا يخرج على وجهين ، أحدهما : يرجع إلى الله ـ تعالى ـ والآخر : يرجع إلى الأصنام التي عبدوها واتخذوها آلهة :
فأما الذي يرجع إلى الله تعالى يقول : لو لا نصرهم الله ؛ أي : هلا نصرهم الله عند نزول العذاب بهم ولا يهلكهم لو كان عبادتهم الأصنام مما تقربهم إلى الله زلفى ، ويكونون شفعاء عنده ، يقول ـ والله أعلم ـ : لو كان ظنكم حقّا أن ذلك مما يقربكم إلى الله هلا نصركم الله عند نزول ذلك بكم ، فإذا لم ينصر الله ـ تعالى ـ أولئك بل أهلكهم فاعلموا أنه ليس الأمر كما توهمتم وظننتم ، والله أعلم.
والثاني : يقول ـ والله أعلم ـ : لو كان للأصنام التي تعبدونها شفاعة عند الله ـ تعالى ـ على ما زعمتم هلا نصروا أولئك ودفعوا الهلاك عنهم بشفاعتهم ، وإذ لم يفعلوا ذلك ، ولم ينصروهم ، ولم يدفعوا عنهم ، فعلى ذلك لا يملكون دفع ذلك عنكم إذا نزل بكم [ما نزل] بأولئك ، والله أعلم.
وتفسير (فَلَوْ لا) هاهنا : هلا ، وهلا تستعمل في الماضي ؛ فيكون معناه : لم تفعل ؛ أي : لم تنصرهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ) أي : ضل هؤلاء عنها.
أو ضل الأصنام عنهم ، فلم يكن لهم منهم ما طمعوا ورجوا بسبب عبادتهم إياها ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ) يحتمل أن يكون إفكهم وافتراؤهم هو قولهم : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] ونحوه ، والله أعلم.
قوله تعالى : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠) يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٣١) وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ