أنتم يأهل مكة ، ثم لم يقدروا على دفع عذاب الله إذا نزل بهم ، فأنتم كيف تملكون دفعه ، وليس لكم تلك الأسباب؟!
وعلى التأويل الثاني ، كأن المراد هو حقيقة ما ذكر من السمع ، والبصر ، والفؤاد ؛ فيكون معناه ما ذكرنا : أن لكم هذه الأسباب مثل ما لهم ، ثم هم لم يقدروا على دفع ما حل بهم من العذاب ، فأنتم لم تقدروا أيضا بها ، والله أعلم.
ثم بين الله ـ سبحانه وتعالى ـ الذي بهم نزل ما نزل من العذاب ؛ حيث قال : (إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) وكان استهزاؤهم مرة بما يوعد لهم الرسل ـ عليهمالسلام ـ بالعذاب ، ومرة كانوا يستهزءون بالرسل ـ عليهمالسلام ـ لما يدعوهم إلى ما دعوا ، والله أعلم.
ثم عذب عادا بالريح التي وصفها الله ـ تعالى ـ في سورة الحاقة ، وذكر فيها ؛ حيث قال : (وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ) آية [٦] أي : شديدة عادية (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً ...) الآية [٧] ، وقال في آية أخرى : (وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) [الذاريات : ٤١] ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى) خلق الله ـ تعالى ـ البشر على طبع وبنية وحال يحذرون ما ينزل بأشكالهم وأمثالهم بذنوب ارتكبوها ، ويتعظون بغيرهم ؛ فكأنه يقول : احذروا صنع الذين أهلكوا من حولكم وبقربكم ؛ لئلا ينزل بكم ما نزل بأولئك الذين أهلكوا حولكم ؛ ليرتدعوا عن ذلك ، وألا يعاملوا رسوله كما عامل أولئك حتى لا ينزل بهم مثل ما نزل بأولئك بتكذيبهم الرسل وعنادهم واستهزائهم بهم ؛ يحذرهم ما نزل بأولئك الذين أهلكوا حولهم ؛ ليرتدعوا عن ذلك ، وألا يعاملوا رسوله كما عامل أولئك حتى لا ينزل بهم مثل ما نزل بأولئك ؛ والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) ، قوله : (وَصَرَّفْنَا الْآياتِ) يخرج على وجهين :
أحدهما : أي : جعلنا للرسل ـ عليهمالسلام ـ آيات أقاموها على قومهم ما يعلمهم ذلك ، ويخبرهم على صدقهم ، فردّوها وكذبوهم بها ، فعند ذلك أهلكناهم ، فعلى ذلك جعلنا لمحمد صلىاللهعليهوسلم من الآيات ما تعلمكم يأهل مكة وتخبركم عن صدقه ، وتدلكم على رسالته ، فلا تردوها حتى لا ينزل بكم ما نزل بهم ، والله أعلم.
والثاني : (وَصَرَّفْنَا الْآياتِ) أي : نشرنا في الآفاق والأطراف النائية ما حل بأولئك ونزل بهم بتكذيب الرسل ، وما كان منهم من العناد والرد ما يلزم من بلغه ذلك الخبر ، واتصل به