من تلك النار والمأوى الذي جعل لهم ، ولا يقدر دفع ذلك عنهم ، والله أعلم.
ثم أخبر أن بعض ذلك الذي أصابهم ونزل بهم إنما كان بما ذكر من اتخاذهم آيات الله هزوا في الدنيا ، هزوا بها وسخرا بالرسل ، عليهمالسلام.
ثم آيات الله يحتمل ما ذكرنا من آيات وحدانيته وألوهيته ، أو آيات قدرته وسلطانه على البعث ، أو آيات رسالة الرسول ، عليهالسلام.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) قد ذكرنا فيما تقدم معنى نسبة التغرير إلى الحياة الدنيا ، وإضافته إليها وإن لم يكن منها على التحقيق تغرير وخداع ، وهو أنهم إنما اغتروا بها ، فنسب فعل التغرير إليها ، هي غرتهم ، وقد ينسب الفعل إلى السبب الذي به صار ذلك ، وإن لم يكن منه حقيقة ذلك ؛ نحو قوله ـ تعالى ـ : (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) [يونس : ٦٧] أي : يبصر به ، وذلك كثير في اللغة.
أو يقال : إن ما كان منها ، لو كان ذلك ممن يحتمل التغرير ويملك ذلك كان تعزيرا ، والله أعلم.
وقوله : (فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) اختلف في قوله : (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) : قال بعضهم : إنهم يعاتبون إلى أن يدخلوا النار : إنكم فعلتم كذا ، وتركتم كذا ، ولم فعلتم كذا؟ فإذا دخلوا النار يترك العتاب ويجعل كالشيء المنسي فيها ، والله أعلم.
وقال بعضهم (١) : (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) أي : لا يسترجعون إلى ما يطلبون من العود والرجوع إلى العمل الصالح ؛ لقولهم : (رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ...) الآية [فاطر : ٣٧].
ثم في قوله : (إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا) ، وقوله : (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا ...) الآية [الكهف : ٥٣] ، وقوله ـ عزوجل ـ : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) [البقرة : ٤٦] ـ دلالة ألا يجب أن يفهم على ظاهر ما خرج الخطاب ؛ لأنه ذكر الظن في المؤمنين ، والمراد به : الإيقان ، لا ظاهر الظن ، وذكر في الكافرين الظن وأريد به الحقيقة ، ولا يجوز أن يفهم من الظن في الفريقين معنى واحد ، بل يفهم من هذا غير الذي فهم من الآخر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ) إن جميع ما ذكر في القرآن من الحمد له فإنما ذكر لأحد شيئين :
أحدهما : بما يستحق من الثناء بتعاليه عن جميع معاني الخلق وأوصافهم.
__________________
(١) انظر : تفسير ابن جرير (١١ / ٢٦٩).