وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ يقول قريبا من هذا : إن في السماء كتابا عليه ملائكة ، والملائكة الذين مع بني آدم يستنسخون من ذلك الكتاب ما يعملون ، ثم قال : وهل تكون النسخة إلا من كتاب أو شيء (١) ، والله أعلم.
وقال بعضهم : ملكان موكلان بالكتابة ، يكتب كل واحد منهما ما يعمله ، فإذا أرادا أن يصعدا إلى السماء فيعارض كل واحد منهما كتابه الذي كتبه مع كتاب الآخر فلا يخطئ حرفا مما كتب هذا ما كتب الآخر ، والله أعلم.
وقال بعضهم (٢) : عرض كتاب الناس الذي عملوا كل يوم أو كل خميس ، فينسخ منه الخير والشر ، وما يثاب عليه وما يعاقب ، ويلقى ما سوى ذلك مما لا ثواب له ولا عقاب ، والله أعلم.
ويحتمل أن يراد من الانتساخ : ابتداء الكتابة من غير أخذ من كتاب أو نحوه ، فإنه يجوز أن يستعمل الانتساخ في ابتداء الكتابة على غير أخذ من الكتاب أو غيره ، نحو أن يقول الرجل : انتسخته ، أي : كتبته ، فيكون كأنه قال : (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ) أي : نكتب ما كنتم تعملون ونثبته عليكم من خير أو شر ، فيخرج لهم كتبهم التي فيها أعمالهم ، فكانت عليهم حجة ، وهي التي كتبت عليهم الحفظة.
وقال أبو عوسجة : الجاثية هي التي جثت واجتمعت ، ويقال : تجاثينا : أي : بركنا على ركبنا للخصومة.
وقال القتبي : جاثية على الركب ، يراد : أنها غير مطمئنة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (تُدْعى إِلى كِتابِهَا) أي : إلى حسابها.
وقوله : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ) يريد : أنهم يقرءونه فيدلهم ويذكرهم ؛ فكأنه ينطق عليهم.
وقوله تعالى : (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ) أي : نكتب على ما ذكرنا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) أي : آمنوا بجميع ما كان عليهم الإيمان به والتصديق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي : عملوا بما فيه صلاحهم ، وما يوجبه الحكمة من العمل (فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ) أي : في جنته ، سمى الجنة : رحمة ؛ لأنها
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٣١٢١٩) وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٧٦٠).
(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه الطبراني عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٧٦١).