لأهلها يتجرون ويكتسبون بها الربح في الآخرة ، وأنه إنما أنشأ الدنيا للآخرة ، لا أنه أنشأها لنفسها ؛ ولذلك قال : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ) الآية [التوبة : ١١١] ، وقال : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) [البقرة : ٢٠٧] ونحوه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا) يحتمل أن يكون ما ذكر من الجثو للركب في الآخرة تعريف لهم وإنباء أنهم يختصمون يوم القيامة جاثين للركب ، كما يختصم في الدنيا عند الحكام والأمراء جاثين للركب ، والله أعلم.
ويحتمل أن يذكر جثوهم ؛ لما لا تقوم بهم الأقدام ، أو لا تحملهم ؛ لهول ذلك اليوم والخوف فيها ؛ فيكونون جاثين للركب ويقومون بها ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا) يحتمل : (كِتابِهَا) : كتاب كل في نفسه ، وهو كقوله ـ تعالى ـ : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) [الإسراء : ١٣] ، وقوله ـ تعالى ـ : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) [الحاقة : ١٩] و (أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ) [الحاقة : ٢٥] ونحوه.
ويحتمل أن يكون قوله : (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا) الذي دعيت كل أمة إليه في الدنيا ؛ من نحو القرآن ، ونحوه ؛ فيقال : يأهل الإنجيل ، يأهل التوراة ، ونحو ذلك ، والله أعلم.
ويحتمل أن يكون (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا) أي : إلى حسابها الذي عملت في الدنيا ؛ تفسير ذلك ما ذكر : (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ) [الأنعام : ٩٣].
وقوله ـ عزوجل ـ : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ) يحتمل الكتاب الذي أضاف إلى نفسه هو القرآن الذي كان ينطق لهم بالحق ؛ أي : بالحق الذي لله عليهم ، وما لبعضهم على بعض.
أو (بِالْحَقِ) أي : بالصدق بأنه من الله ـ تعالى ـ والله أعلم.
ويحتمل أن يكون ذلك الكتاب هو الكتاب الذي يكون لكلّ بالانفراد للذي كتبته له الملائكة مما عملوا من خير أو شر ، وهو كقوله ـ تعالى ـ : (اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) [الإسراء : ١٤] والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) اختلف في تأويله :
قال بعضهم : إن الحفظة تكتب أعمال بني آدم ثم يعارضون ذلك بما في اللوح المحفوظ المكتوب فيه : أن فلانا يعمل كذا وكذا ، فلا يزيد شيء ولا ينقص.