وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٣٤) ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٣٥) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٦) وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(٣٧)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) هذا يخرج على وجوه :
أحدها : ولله ملك كل ملك في السموات والأرض.
أو (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ؛ أي : خزائن السموات والأرض ، وكذلك ذكر في حرف ابن مسعود ، رضي الله عنه.
أو يقول : ولله حقيقة ملك السموات والأرض.
فإن كان التأويل هو الأول فإن له ملك كل ملك في السموات والأرض ، ففيه إخبار وإعلام بليغ أتباع أولئك الملوك ، و [ذوي] التعظيم لهم ، والإجلال ، والخدمة لهم بما في أيديهم من الملك والسلطان وفضل الأموال [ألا يصرفوا ذلك إليهم] ؛ بل فيه الأمر بصرف ذلك كله إلى الله ـ تعالى ـ والقيام له بالشكر ، لا لأولئك ؛ لأن الذي في أيديهم لله ـ تعالى ـ وهو الجاعل في أيديهم ، والواضع عندهم ، فإليه يلزم صرف الشكر والعبادة ، والله أعلم.
وإن كان تأويل الملك : الخزائن ، ففيه قطع الأطماع عما في أيدي الناس ، والأمر بصرف ذلك إلى الله ـ تعالى ـ والرجاء منه دون من سواه ، والله أعلم.
وإن كان الثالث ، وهو أن حقيقة الملك لله ـ تعالى ـ ففيه أنه فيما امتحنهم في الدنيا بأنواع المحن لم يمتحنهم لمنفعة ترجع إلى نفسه ، أو لمضرة يدفع عنها ، وكذلك ما يثيبهم في الآخرة ويعاقبهم ، ليس يفعل ذلك لمنفعة كانت له في الدنيا أو دفع مضرة عنه ، ولكن لحكمة أوجبت ذلك لهم وعليهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) سمى القيامة : ساعة ، فجائز أن يكون سماها [بذلك] ؛ لسرعة قيامها ، أو نفاذها ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) [النحل : ٧٧].
أو أن يكون سماها بذلك ؛ لما يكون حسابهم وأمرهم يوم القيامة إنما يكون في ساعة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ) يحتمل : أي : يومئذ يبين خسران المبطلين في الدنيا ، وعلى ذلك يبين خسران كل مشتركين في تجارة الدنيا ؛ إذا [اشتركوا] في عمل عند القسمة يتبين خسران عملهم وتجارتهم.
وأصله أن الله ـ تعالى ـ جعل الدنيا وما أنشأ فيها من الأموال والأملاك رءوس أموال