[الزمر : ٢٩] ، أي : خالصا سالما ، لا حق لأحد فيه سواه ، والإيمان هو الوصف له بالربوبية في كل شيء ، ومعناهما في الحاصل والتحقيق يرجع إلى معنى واحد ؛ لأنك إذا وصفته بالألوهية والربوبية جعلت كل شيء لله سالما ، وإذا جعلت كل شيء لله ـ تعالى ـ سالما وصفته بالألوهية والربوبية في كل شيء ؛ فدل أن حاصل الإيمان والإسلام واحد ، وإن كانا من حيث ظاهر العبارة مختلفين ، والله الموفق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ) يحتمل الأزواج من وجهين :
أحدهما : الأزواج المعروفة ؛ وهي الأهل ؛ لما وقوهم في الدنيا عن الأسباب التي بها يستوجبون النار ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) [التحريم : ٦].
ويحتمل الأزواج التي ذكر : القرناء ، والأشكال الذين أعانوا على الأعمال الصالحة التي بها نالوا الجنة كقوله ـ تعالى ـ : (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ) [الصافات : ٢٢] [أزواجهم] ـ هاهنا ـ قرناؤهم الذين أعانوهم على ذلك ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (تُحْبَرُونَ).
قال أبو عوسجة والقتبي : أي تسرون ، والحبرة : السرور.
وقال بعضهم (١) : (تُحْبَرُونَ) أي : تكرمون وتنعمون ، وهو ما ذكرنا ؛ أي : ليس عليهم خوف الزوال والفناء ولا حزن الحال ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ).
يحتمل ذكر الصحاف من الذهب والأكواب وجوها :
أحدها : ذكر ذلك لهم في الآخرة ؛ ترغيبا لهم فيها ، وتحريضا لما يرغبون بمثل ذلك إلى السعي للآخرة ، والله أعلم.
والثاني : يحتمل إنما ذكر ذلك ؛ لأن أهل الدنيا كانوا يتفاخرون بهذه الأشياء في الدنيا ، فيخبر أن لأوليائه ذلك في الآخرة ، وذلك دائم ، وهذا فإن ، ولا عبرة للفاني ؛ فلا معنى للافتخار به.
ويحتمل أنه ذكر ذلك ؛ لأنه حرم عليهم الانتفاع في الدنيا باستعمال الذهب والفضة والحرير ، فأخبر أن لهم الانتفاع بذلك في الآخرة التي هي دار التنعم ، فأمّا ما سوى ذلك من الفرش والأواني فإنه لا بأس بذلك ، وهو مباح في الدارين جميعا.
__________________
(١) قاله ابن عباس أخرجه ابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٧٣٢) وهو قول قتادة والسدي وابن زيد.