وأما ذكر الأكواب يحتمل للترغيب ؛ على ما ذكرنا ؛ لأنهم يتمنون ويرغبون فيها في الدنيا.
والثاني : يخبر أن لا مئونة عليهم في حمل الأواني ورفعها عند الشرب والأكل ، ولا يتولون ذلك بأنفسهم ، لكن الخدم هم الذين يتولون سقيهم.
الصحاف : جمع الصحفة ؛ وهي القصعة التي ليست بضخمة ، والأكواب : الأباريق التي لا عرا لها ولا خراطيم ، واحدها : كوب ، ويقال : كيزان لا عرا لها ؛ قاله أبو عوسجة والقتبي.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ) فذلك في الجنة ليس كنعيم الدنيا ؛ لأن في الدنيا قد يشتهي شيئا ولا تلذ به العيون والله أعلم.
ويحتمل أنه إنما ذكر ذلك في الآخرة ؛ لما منعوا وحرموا في الدنيا ما اشتهت أنفسهم الانتفاع به والتلذذ ؛ عوضا وبدلا عما كفوا أنفسهم في الدنيا عن الانتفاع بذلك ، وإعطاء الأنفس ، أو حرموا ومنعوا وحيل بينهم وبين ذلك و [ما] تلذ به الأعين لما غضوا أبصارهم في الدنيا عما لا يحل والله [أعلم].
وقوله : (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ، أن الله بفضله عود عباده لما كان منه من الإحسان والإنعام ، كأن ذلك كله منهم إليه ، فضلا منه ؛ حيث نسب الجنة التي يعطيهم إلى أعمالهم التي عملوها ، وإن كانوا لا يستوجبون الجنة وما فيها بالأعمال حقيقة ؛ فلذلك ما ذكر في الخبر عن نبي الله أنه قال : «لا يدخل الجنة أحد إلا برحمة الله» ، قيل : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته» ، أخبر أن لا أحد يدخل الجنة إلا برحمته ، لكنه نسب الجنة التي يعطيهم وما ذكر من الثواب إلى أعمالهم ؛ فضلا منه وإنعاما ، وكذلك ما ذكر من قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) [التوبة : ١١١] ، ذكر أنه اشترى أنفسهم وأموالهم بالجنة يعطيهم ، وأنفسهم وأموالهم في الحقيقة له ، ولا أحد يشتري ملكه ، وماله بمال نفسه وملكه ، لكنه ذكر ذلك شراء إفضالا منه ؛ كأن لا ملك له في ذلك ولا حق ، وكذلك ما ذكر من الإقراض له بقوله : (وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) [الحديد : ١٨] ، ولا أحد يستقرض ماله وملكه من غيره ، لكنه عاملهم معاملة من لا ملك له في أموالهم وأنفسهم بما جعل لهم من الثواب والعوض ؛ فعلى ذلك نسبة الجنة والثواب الذي ذكر لهم إلى أعمالهم ؛ إفضالا منه وإنعاما ، وإن لم يستوجبوا ما ذكر بالأعمال.
وقوله : (لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ).