فأما المؤمنان فيثني كل واحد منهما على صاحبه ثناء حسنا ، أما الكافران فيثني كل واحد منهما على صاحبه ثناء قبيحا» (١).
وعلى هذا السبيل روي هذا الحديث عن علي رضي الله عنه (٢).
وروي عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : أحب في الله ، وأبغض في الله ، وواد في الله ، ووال في الله ، فإنما ينال ولاية الله في ذلك ، لا ينال ما عند الله إلا بذلك ، وقال : ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصيامه وصدقته ، حتى يكون كذلك ، وقد صار عامة مؤاخاة الناس اليوم ، ولكن لا تجزئ عن أهله شيئا ، ثم قرأ : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) وقرأ : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ...)(٣) الآية [المجادلة : ٢٢] ، فقول ابن عباس يومئ إلى أن كل خلة ومؤاخاة فيما بين المؤمنين للدنيا فهي تصير عداوة في الآخرة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) أي : لا خوف عليكم خوف الغير ، كقوله ـ تعالى ـ : (لا يَبْغُونَ عَنْها) [الكهف : ١٠٨] (وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) أي : لا خوف عليكم خوف الأحوال ؛ أي : لا حزن لهم في حال كونهم فيها ، ولا لهم فيها خوف غير ذلك ، ولا زواله عليهم ؛ لأن خوف الزوال مما ينغص صاحبه النعمة التي هي له ؛ يخبر أن ذلك دائم باق لا زوال له ولا فناء ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ) والإشكال : أنه سماهم مؤمنين مسلمين بالآيات ، والإيمان والإسلام يكون بالله تعالى.
فنقول : لأن الإيمان هو التصديق ـ في اللغة ـ بما أنبأت الآيات بوحدانية الله وألوهيته ؛ لأن جهة سبيل معرفة الله تعالى وطريق العلم به إنما هو بالآيات والحجج التي أقامها على ذلك ، ليس من جهة العيان والمشاهدة ؛ فالإيمان بالآيات والتصديق بها تصديق بالله حقيقة وإيمان به ، والله أعلم.
وقوله : (وَكانُوا مُسْلِمِينَ) ظاهر هذا يوهم أن الإيمان والإسلام غيران ، لكن هذا من حيث ظاهر العبارة ، فأما في الحقيقة هما يرجعان إلى معنى واحد ؛ لأن الإسلام هو جعل كل شيء لله ـ تعالى ـ سالما ، لا يشرك فيه غيره ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ)
__________________
(١) أخرجه عبد بن حميد عن قتادة مرسلا ، كما في الدر المنثور (٥ / ٧٣٠).
(٢) أخرجه ابن جرير (٣٠٩٧٣) وعبد الرزاق وعبد بن حميد وحميد بن زنجويه في ترغيبه ، وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٧٣١).
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ٢٧٤).