قوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٦٦) الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ (٦٧) يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٦٨) الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ (٦٩) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ (٧٠) يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ (٧١) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢) لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ)(٧٣)
وقوله ـ عزوجل ـ : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً) أي : فجأة (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بإتيانها وقيامها ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ).
يحتمل قوله : (إِلَّا الْمُتَّقِينَ) : الموحدين ، فتكون خلة أهل الكفر فيما بينهم في الدنيا عداوة في الآخرة ؛ لقوله : (يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) [العنكبوت : ٢٥] وما ذكر في غير آي من القرآن من لعن بعضهم بعضا ، وتبرؤ بعضهم عن بعض ، كقوله ـ تعالى ـ : (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا ...) الآية [البقرة : ١٦٦] ، وأما خلة الموحدين المؤمنين فيما بينهم فهي خلة في الدارين جميعا ؛ هذا يحتمل ، والله أعلم.
ويحتمل أن يكون قوله : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) استثنى خلة من اتقى النار بنفسه ووقى صاحبه ـ أيضا ـ بما أمره بالطاعات لله ـ تعالى ـ والقيام بالخيرات ، وزجره عن معاصيه ومخالفة أمره ، كقوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) [التحريم : ٦] أمرهم بوقاية أنفسهم وأهليهم نارا ، وإنما يتقون تلك النار بالقيام بالأسباب التي أمروا بالقيام بها ، والامتناع والانتهاء عما نهوا عنها وزجروا منها ، فكل خلة فيما بين المؤمنين على هذا الوجه فهي خلة ومودة في الدارين جميعا ، لا تصير عداوة ؛ لأنها لله ـ تعالى ـ وطلب مرضاته ، فأما الخلة التي تكون فيما بينهم للدنيا فهي تصير عداوة ـ أيضا ـ على ما ذكرنا ، والله أعلم.
وقد روي في الخبر عن نبي الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «الأخلاء أربعة : مؤمنان وكافران ، فمات أحد المؤمنين فيسأل عن خليله ، فقال : اللهم لم أر خليلا آمر بمعروف ولا أنهى عن منكر منه ، اللهم اهده كما هداني وأمته على ما أمتني ؛ فإنه كان يأمرني بالمعروف والخيرات والطاعة لك ، وينهاني عن المنكر والشر والمعصية لك ، ومات أحد الكافرين ، فيسأل عن خليله ، فقال : اللهم لم أر خليلا آمر بمنكر ولا أنهى عن معروف منه ، اللهم أضله كما أضلني ، وأمته كما أمتني ، قال : ثم يبعثون يوم القيامة ، فقال : لعن بعضكم على بعض ،