قدره عند الله وجلت صولته عنده فإنه [لا] يخرج من العبودة ، وأنه عبد الله ، ليس بإله ، ولا ابن له ، على ما زعم أولئك الكفرة ، والله الهادي.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ).
هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون حرف «من» صلة زائدة ، ومعناه : فاختلف الأحزاب بينهم ، والاختلاف فيما بينهم في عيسى أمر ظاهر بين (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ) أي : اختلف الأحزاب من اختراع كان منهم فيما بينهم ، أو كلام نحوه ؛ ولذلك كان الاختلاف الواقع بينهم إنما كان باختراع من ذات أنفسهم ، لا أن كان ذلك سماعا من الرسل ـ عليهمالسلام ـ ولذلك نهى هذه الأمة عن الاختلاف والتفرق ؛ حيث قال : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) [آل عمران : ١٠٥] وقد اختلفت هذه الأمة بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى قاتلهم أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ على ذلك ، واتبعه سائر الصحابة على ذلك ، حتى قاتل الرجال ، وسبى النساء والذراري ، وظهرت ـ أيضا ـ الخوارج في زمن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ على ذلك ، حتى اجتمعوا على الوفاق ، وغير ذلك من الاختلاف والتفرق الذي كان ظهر ووقع فيما بينهم ، وكان في ذلك دلالة الرسالة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم لأنه ذكر ـ عزوجل ـ في كتابه أنهم يختلفون بعد وفاته ، وأنهم ينقلبون على أعقابهم ؛ حيث قال : (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ...) الآية [آل عمران : ١٤٤] ، وقال في ارتدادهم : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) [المائدة : ٥٤] هذا في أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ وقال في علي ـ رضي الله عنه ـ : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) الآية [المائدة : ٥٥] ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يقاتل هذا بالتأويل كما نقاتل نحن على التنزيل» يعني : عليّا ـ رضي الله عنه ـ وقد كان كل ما ذكر من الاختلاف والتفرق والتنازع في الدين من الانقلاب على الأعقاب والارتداد والامتناع عن إيتاء الزكاة ، وإتيان ما ذكر من قوم يحبهم ويحبونه ، أذلة على المؤمنين ، أعزة على الكافرين ، وغلبة حزب الله وأهل توحيده على أولئك ؛ ففي ذلك كله دلالة إثبات الرسالة ؛ إذ خرج على ما أخبر صلىاللهعليهوسلم وذكر في المستقبل ، والله أعلم.
ثم إن الله ـ عزوجل ـ بفضله وبرحمته رفع ذلك الاختلاف والتفرق والتنازع بينهم ، وجمعهم على ألفة وحب ، ولم يرفع من بين أولئك فقال : (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ) والأحزاب : الفرق الذين تحزبوا ؛ أي : تفرقوا ، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ) هي ظاهرة.