فعلى هذه الوجوه التي ذكرنا كانت آيات الرسل ـ عليهمالسلام ـ والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ).
قال بعضهم : الحكمة ـ هاهنا ـ هي الإنجيل ، وقد ذكر في آية أخرى الكتاب والحكمة ؛ حيث قال : (وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) [المائدة : ١١٠].
ثم جائز أن يكون الكل واحدا.
وجائز أن يكون الكتاب : ما يكتب ويتلى والحكمة : ما أودع في المتلو والمكتوب من المعنى ، والله أعلم.
ويحتمل أن تكون الحكمة راجعة إلى كل ما يوجب العقل للقول به وقوله ، وقد ذكرناه فيما تقدم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ).
قال بعضهم (١) : أي : أبين لكم كل الذي تختلفون فيه ؛ إذ لا يجوز أن يبين بعضا ويترك البيان لبعض ، وقد يذكر البعض ويراد به الكل ؛ نحو ما يقال في كثير من المواضع : الخطاب للرسول ـ عليهالسلام ـ والمراد بذلك أمته.
ويحتمل أن يكون المراد من البعض هو البعض نفسه لا الكل.
ثم هو يخرج على وجوه ثلاثة :
أحدها : أي : أبين لكم بعض ما تختلفون فيه ، ثم يأتيكم رسول بعدي ويبين لكم باقي ذلك ، أو كلام نحوه ؛ لأنه لم يقل : أبين لكم بعض ما اختلفتم فيه ، ولكن قال : (بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ) ، فهو في الظاهر على الاستقبال.
والثاني : يقول : أبين لكم الأصول ما تقدرون على استخراج الفروع من تلك الأصول ، والله أعلم.
والثالث : يقول : أبين لكم الذي تختلفون فيه ، وهو يرجع إلى أمر الدين دون الراجع إلى أمر المعاش ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) فيما آمركم به وأدعوكم إليه وأنهاكم عنه.
ويحتمل أن يكون يقول : اتقوا مهالككم ، والزموا ما به نجاتكم ، وأطيعوني في ذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ) ذكر هذا ؛ ليعلموا أنه وإن عظم
__________________
(١) انظر : تفسير ابن جرير (١١ / ٢٠٧).