علم للساعة ؛ لأنه به ختم النبوة والرسالة ، وقال : «أنا والساعة كهاتين» وأشار إلى إصبعين من يده ، وإنما بعثه الله ـ تعالى ـ عند قرب الساعة ، فهو علم للساعة.
ثم قراءة علم للساعة بالتثقيل ، فمعناه : العلامة لها والدليل عليها ، ومن قرأ علم للساعة بالجزم ، فمعناه : يعلم به قرب الساعة.
وقوله : (فَلا تَمْتَرُنَّ بِها) أي : لا تشكنّ بالساعة فإنها كائنة لا محالة ، وعلى ذلك يقولون في بعض التأويلات في قوله ـ تعالى ـ : (فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها) [محمد : ١٨] أي : أعلامها ؛ أي : محمد ، عليه أكمل التحيات.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) ، فإن كان قوله : (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) هو محمد صلىاللهعليهوسلم فكأنه قال ـ عليهالسلام ـ : أنا علم للساعة وقريب منها فاتبعوني ، وإن كان عيسى ـ على نبينا وعليهالسلام ـ يقول : إنه علم للساعة وآية لها ، فاتبعوني قبل أن يخرج وينزل.
وقوله : (وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ).
يحتمل قوله ـ تعالى ـ : (وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ) عن الإيمان بالساعة وكونها ؛ فإنه عدو مبين.
ويحتمل : لا يصدنكم عن محمد وعن الصراط المستقيم الذي ذكر ؛ فإنه عدو مبين بين عداوته إياكم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ ...) الآية.
قال أهل التأويل : بيناته : هي ما كان يأتي به من نحو إحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص ، والإنباء بما يأكلون وما يدخرون ، ونحو ذلك.
والأصل في آيات الأنبياء والرسل أنها كانت من وجوه ثلاثة تلزمهم التصديق بهم : أحدها : ما يأتون في كل شيء صغر أو عظم ، دلالة ذلك ما يعلم كل ذي لب وعقل على أن ذلك حكمة وعقل عليهم اتباعهم في ذلك ، وهو توحيد الله ـ تعالى ـ وتنزيهه عما لا يليق به ، والله أعلم.
والثاني : كانت في أنفسهم وأحوالهم التي كانوا عليها بينات تلزمهم تصديقهم ، وهو أنهم لبثوا بين أظهرهم ، وكانوا فيهم طول عمرهم ، فلم يؤخذ عليهم كذب قط ، ولا ظهر منهم ما يرجع إلى دناءة الأخلاق ، ولا شيء من ذلك ، والله أعلم.
والثالث : ما كانوا يأتون من الأفعال والمعجزة الخارجة عن توهم العباد والمعتاد من فعلهم يلزم كل صنف قبولها.