ثم يحتمل قوله ـ عزوجل ـ : (أَيُّهَا الْجاهِلُونَ) وجوها :
أحدها : أيها الجاهلون في التسوية بين المفضل والمخصوص وبين من لم يخص ؛ فذلك في عبادة غير الله.
أو جاهلون عن هداية الله وخصوصيته.
أو جاهلون عن جميع نعمه وإحسانه ، حيث لم يذكروه فيها ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ).
يحتمل هذا وجهين :
أحدهما : كأنه يقول : ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك ـ وقيل : لكل رسول ـ (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) ، ذكر هذا ؛ ليعلم أن الشرك يحبط العمل ، وإن أتى به من قد جل قدره ، وعظمت منزلته عنده.
والثاني : ولقد أوحي إليك وإلى من كان قبلك : لئن أشركت أنت ليحبطن عملك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) يحتمل وجوها :
يحتمل : كن من الشاكرين لنعم الله جميعا.
أو الشاكرين للخصوصية التي خصصت بها أو الهداية التي هديت ، والله أعلم.
وفي حرف ابن مسعود وأبيّ ـ رضي الله عنهما ـ : (لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : له ملك السموات والأرض.
قال الكسائي : (مَقالِيدُ) : فارسية معربة ، وواحد المقاليد : إقليد.
وقال بعضهم في قوله ـ عزوجل ـ : (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) قال : بلى ، والله ليكفينه الله ، وبعزه وبنصره كاف عبده ، وأصله ما ذكرنا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً) ذكر أهل التأويل : أن اليهود أتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا له : إن ربك كذا وكذا ، وإن السموات على كذا منه ، والأرض على كذا ؛ ذكروه له ووصفوه كما يوصف الخلق ؛ فنزل قوله ـ عزوجل ـ : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) قيل (١) : ما عرفوا الله حق معرفته ، ولا عظموه حق عظمته.
ويذكر أهل الكلام : أن اليهود مشبهة ، وكذلك قالوا بالولد ؛ حيث قالوا : عزير ابن الله ، وقالت النصارى : المسيح ابن الله ؛ فلو لم يكونوا عرفوه بما يعرف به الخلق ، لم يكونوا يقولون له بالولد كما يقولون للخلق من الولد ؛ فدل ما وصفوا له وذكروا له أنهم عرفوه بمعنى الخلق ، فتعالى الله عما تقوله الملاحدة علوّا كبيرا.
__________________
(١) انظر : تفسير ابن جرير (١١ / ٢٣) وتفسير البغوي (٤ / ٨٧).