ذكر ، ذكر هذا يقول في الآخرة في النار هذا ؛ ليلزمهم الحجة وألا يقولوا : (إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) [الأعراف : ١٧٢] ؛ لأن هذه السورة مكية ، نزلت [في] محاجة أهل مكة في إثبات التوحيد وإثبات الرسالة ، ومنهم من ينكر البعث ، ذكر الأنباء المتقدمة لإثبات الرسالة فيما تقدم ، وذكر حجج البعث في هذه الآيات وحجج التوحيد في آخره ، ذكر ذلك كله لهم ليلزمهم الحجة وإن أنكروا ذلك ؛ لئلا يقولوا : (إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) [الأعراف : ١٧٢].
ثم في هذه الآية دلالة أن عقوبة الله قد تلزم وإن لم يحقق عنده الحق ولم يعرفه حقيقة ؛ حيث أخبر أنهم يقولون في النار ما ذكر ـ عزوجل ـ : (ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ) ؛ لأنه معلوم أنهم لم يعلموا حقيقة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه كانوا [على حق وإلا] ما تركوا اتباعه ولا سخروا منهم ؛ وعلى ذلك يخرج مباهلة أبي جهل يوم بدر حيث قال : «اللهم أينا أوصل رحما وآثر ... كذا على ما ذكروا ـ نصر عليه» (١) ، ومعلوم أنه لو كان يعلم أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم على حق لكان لا يجترئ على المباهلة دل أنه لم يعلم حقيقة أنه على حق ، فعوقبوا وإن لم يعلموا لما مكن لهم من العلم والمعرفة لو تأملوا وأحسنوا النظر في ذلك ، والله أعلم.
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ).
قال أهل التأويل : إنهم ينظرون في النار فلا يرون من كان يخالفهم في دينهم وهم أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم الذين كانوا يستهزءون بهم في الدنيا ويسخرون منهم ، يقولون : كنا نسخر منهم في الدنيا فأين هم؟ وما لنا لا نراهم (أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ) ، أي : حارت وشغلت أبصارنا فلا نراهم.
لكن لا يحتمل أن يكونوا يقولون على هذا الذي يقوله أهل التأويل ، ولكن يقولون على التلهف والتندم على ما كان منهم في الدنيا من ترك اتباعهم والسخرية منهم قد ظهر عندهم أن أولئك كانوا على حق ـ أعني : رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ـ وأنهم على باطل ، فلا يحتمل أن يقولوا ذلك على غير التلهف والتندم ، وقد عرفوا بما ذا عذبوا وجعلوا في النار؟ عرفوا أنهم [لا] يكونون في النار ـ يعني : أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ إذ كانوا على خلاف ما كان أولئك الكفرة [عليه] ، والله أعلم.
أو أن يقولوا ذلك على الاستغاثة بهم يقولون : أين أولئك الذين كانوا اتخذناهم سخريا
__________________
(١) أخرجه ابن أبي شيبة ، وأحمد ، وعبد بن حميد ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، وابن مندة ، والحاكم ، وصححه ، والبيهقي في الدلائل كما في الدر المنثور (٣ / ٣١٨).