أحدها : الأمن له عن أن يصلوا إلى قتله وإهلاكه على الآحاد والأفراد ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ) [هود : ٥٥].
وفيه الأمن له عن أن يصلوا إلى قتله وإهلاكه على الجمع والاجتماع عليه ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) [القمر : ٤٥] أخبر ـ عزوجل ـ أنهم يهزمون جميعا.
وفيه بشارة له أنهم يهزمون في ضعفه وقلة أعوانه وأنصاره مع كثرة أولئك وعدتهم.
ففي الوجوه الثلاثة التي ذكرنا دلالة رسالته صلىاللهعليهوسلم حيث أخبر بما ذكر ؛ فكان على ما أخبر دل أنه صلىاللهعليهوسلم بالله تعالى عرف ذلك ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ).
حين تحزبوا عليه قال بعضهم : إنه ساحر ، وقال بعضهم : إنه كذاب ، وإنه مفتر ، وإنه مجنون على ما تحزبوا عليه ، وتفرقت قلوبهم فيه وتلونت ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ ...) إلى قوله : (أُولئِكَ الْأَحْزابُ) أي : الفرق.
وقوله : (إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ).
يذكر هؤلاء الأحزاب الذين كادوا لرسول الله ، ويخبرهم عن صنيعهم ومعاملتهم الرسل لوجهين :
أحدهما : كيفية معاملة الرسل ـ عليهمالسلام ـ أولئك الكفرة مع تكذيبهم إياهم وسوء معاملتهم وصنيعهم مع الرسل وأنواع البلايا التي كانت منهم إليهم أن كيف عاملوهم وصبروا على أذاهم ؛ ليعامل هو قومه مثل معاملتهم قومهم ، ويصبر على أذاهم كما صبر أولئك على أذى قومهم ، مثل معاملتهم قومهم وسوء صنيعهم ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) [الأحقاف : ٣٥].
والثاني : يذكر هذا لأهل مكة ويحذرهم ما نزل بالأمم المتقدمة بتكذيبهم الرسل وعنادهم وتمردهم معهم ؛ ليحذروا تكذيبهم محمدا صلىاللهعليهوسلم وألا يعاملوه كما عامل أولئك رسلهم ، فينزل بهم كما نزل بأولئك من العذاب والإهلاك ، والله أعلم.
(فَحَقَّ عِقابِ).
قال بعضهم (١) : أي : وجب عليهم عقاب ، لكن قوله ـ عزوجل ـ : (فَحَقَّ عِقابِ) أي : نزل بهم العقاب ووقع عليهم ، وإلا كان العذاب واجبا على الكفار.
__________________
(١) انظر : تفسير ابن جرير (١٠ / ٥٥٧).