وما كان لموسى من انفجار العيون من الحجر ، كان لمحمد من أصابعه ، حتى ذكر أنهم كانوا ألفا وأربعمائة نفر شربوا جميعا منه ورووا ؛ فذلك وإن لم يكن أعظم في الآية لا يكون دونه.
وما كان لعيسى من إحياء الله الموتى وإجرائه على يديه ، كان لمحمد مقابل ذلك كلام الشاة المصلية المسمومة التي أخبرته : إني مسمومة ؛ فلا تتناول مني ؛ لما أراد التناول منها ، فآياته كثيرة حتى لم تذكر لأحد من الأنبياء والرسل ـ صلوات الله عليهم ـ آية إلا ويمكن أن يذكر لمحمد جميعا مقابل ذلك مثلها أو أعظم منها.
ثم يحتمل ذكر ملك سليمان وأبيه ؛ لئلا يحسدوا محمدا ـ صلوات الله عليه ـ على ما أعطاه الله له من الملك والشرف ؛ ليعرفوا أنه ليس هو المخصوص بالملك والشرف ، ولكن له في ذلك شركاء وإخوان أعطاهم الله مثل ذلك ، والله أعلم.
وقوله : (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ).
قيل (١) : النحاس ، وقيل (٢) : الصفر ، قيل (٣) : أسيل له يعمل به ما أحبّ ، كما ألين لأبيه الحديد ؛ فيعمل به ما أحبّ من الدروع وغيرها بلا سبب ، والله أعلم.
وقوله : (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ).
قيل (٤) : بأمر ربه ، أي : سخر الله الجن له ، وأمرهم بطاعته في جميع ما يأمرهم فيما أحبّ ، شاءوا أو كرهوا ، يخرج قوله : (بِإِذْنِ رَبِّهِ) على وجهين :
أحدهما : على التسخير له ؛ فيكون الإذن كناية عن التسخير.
والثاني : (بِإِذْنِ رَبِّهِ) ، أي : بأمر ربه ، أي : أمرهم ربهم أن يطيعوه في جميع ما يأمر وينهى.
وقوله : (وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا) ، أي : عصاه فيما أمره به ، (نُذِقْهُ) ، ما ذكر.
يحتمل إضافة أمره إلى نفسه ؛ لما بأمره ما يستعملهم فيما يستعملهم ، والله أعلم.
وقوله : (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ).
قال بعضهم (٥) : المحاريب هي المساجد.
__________________
(١) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٢٨٧٤٧) ، وابن أبي شيبة وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٤٢٨).
(٢) قاله ابن عباس أخرجه الطستي عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٤٢٨) ، وهو قول مجاهد وابن زيد.
(٣) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٨٧٤٨) ، وهو قول عكرمة والسدي.
(٤) انظر تفسير ابن جرير (١٠ / ٣٥٤) ، والبغوي (٣ / ٥٥١).
(٥) قاله الضحاك ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٨٧٥٣).