وبعد : فإن كثيرا من الصحابة وأهل التأويل ، من نحو : عبد الله بن مسعود ، وابن عباس وغيرهما ـ رضي الله عنهم ـ لم يفهموا من قوله : (خالِصَةً لَكَ) بلفظة دون لفظة ، حتى روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أنه قال في قوله : (إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَ) : «هن الموهوبات» ، فما بال الشافعي في فهم ذلك ما ذكر؟! وبعد فإنه ليس من عقد إلا وهو يحتمل الانعقاد بلفظة «الهبة» من البياعات والإجارات وغيرها ؛ فعلى ذلك النكاح ، والله أعلم.
وقوله : (وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ).
أي : قد أحللنا لك ما ملكت يمينك ، وأحللنا لك أيضا ، (وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ).
ثم جائز أن يكون حل بنات من ذكر من الأعمام والأخوال للناس بهذه الآية ؛ لأنهن لم يذكرن في المحرمات في سورة النساء ؛ فيكون ذكر حلهن لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ذكرا للناس كافة ، كما كان ذكر حل نكاح حليلة زيد بن حارثة له حلا للناس في أزواج حلائل التبني ؛ حيث قال : (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ) [الأحزاب : ٣٧] ؛ فعلى ذلك الأول.
أو أن يكون معرفة حل نكاح بنات الأعمام والعمات ومن ذكر بقوله : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) [النساء : ٢٤] ؛ إذ ذكر المحرمات في الآية على إبلاغ : ما كان بنسب ، وما كان بسبب ، ثم قال : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) [النساء : ٢٤] ؛ فيكون ما وراء المذكورات محللات بظاهر الآية ، إلا ما كان في معنى المذكورات في الحرمة ، والله أعلم.
وقوله : (اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ).
لم يفهم أحد من قوله : (هاجَرْنَ مَعَكَ) : الهجرة معه حتى لا يتقدمن ولا يتأخرن ؛ بل دخل في قوله : (مَعَكَ) من هاجر منهن من قبل ومن بعد ، والله أعلم.
وقوله : (ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ).
قال بعضهم : ما فرضنا على الناس ، (فِي أَزْواجِهِمْ) ، وهن أربع نسوة لا تحل الزيادة على الأربع ، (وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) ، وهي الجواري والخدم يجوز الزيادة على ذلك وإن كثرن.
وقال بعضهم : كان مما فرض الله ألا يتزوج الرجل إلا بولي ومهر وشهود ، إلا النبي خاصة ؛ فإنه يجوز له أن تهب المرأة نفسها بغير مهر وبغير ولي ، والله أعلم.
وقوله : (قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ) ، (فَرَضْنا) : أي بينا ما يجوز وما لا