بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٣٢) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (٣٣) وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً)(٣٤)
وقوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها).
قال بعض أهل التأويل : إنهن جلسن ، فجعلن يخترن الأزواج في حياة رسول الله ، فنزلت الآية توبيخا لهن وتعييرا على ذلك.
لكن هذا بعيد محال : لا يحتمل أن يكون أزواجه يخترن الأزواج ، وهن تحته في حياته ؛ فذلك سوء الظن بهن.
وقال بعضهم : إنهن طلبن النفقة منه ؛ فنزل ما ذكر.
وقيل : إنهن تحدثن بشيء من الدنيا وركنّ إليها ؛ فنزل ما ذكر عتابا لهن وتعييرا ، ونحو ذلك قد قالوا.
وجائز أن يكون الله يمتحن رسوله وأزواجه بالتخيير واختيار الفراق منه ـ ابتداء امتحان من غير أن يكون منهن شيء مما ذكروا ولا سبب ؛ وعلى ذلك روي في الخبر عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : «لما أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بتخيير أزواجه ؛ بدأ بي فقال : «يا عائشة ، إني ذاكر لك أمرا ، فلا عليك ألا تستعجلي حتى تستأمري أبويك» ، قالت : وقد علم الله أن أبويّ لم يكونا ليأمراني بفراقه ، قالت : ثم قال : «إن الله يقول : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها ...) إلى قوله : (أَجْراً عَظِيماً) ؛ فقلت : أفي هذا أستأمر أبويّ؟! فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة. وفعل سائر أزواجه مثل ما فعلت» (١).
وفي بعض الأخبار أنها قالت : بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة ؛ فدل قولها (٢) : «لما أمر رسول الله بتخيير أزواجه» : أن ذلك من الله ابتداء امتحان ، من غير أن كان منهن ما ذكروا من الركون إلى الدنيا والتحدث بما ذكر.
__________________
(١) أخرجه البخاري (٩ / ٤٧٣) ، كتاب التفسير : باب (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا ...) الآية ، (٤٧٨٥) ، ومسلم (٢ / ١١٠٣) ، كتاب الطلاق : باب بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقا إلا بالنية (٢٢ / ١٤٧٥).
(٢) أخرجه مسلم (٢ / ١١٠٤ ، ١١٠٥) ، كتاب الطلاق : باب بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقا إلا بالنية (٢٩ / ١٤٧٨) ، وأحمد (٣ / ٣٢٨) ، والنسائي وابن مردويه كما في الدر المنثور (٥ / ٣٧٠).