أي : المطر يخرج من خلال السحاب ، أي : من بين السحاب ، ويقرأ (خِلالِهِ) ، ومعناه : نقبه.
وقوله : (لَمُبْلِسِينَ) آيسين ، والإبلاس : الإياس ؛ ولذلك سمى إبليس : إبليس لأنه أويس من رحمة الله.
وقوله : (فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ).
يحتمل أن يكون قوله : (إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ) ، أي : المطر ، أراد بالرحمة : المطر ، سمى المطر : رحمة ؛ لأنه يكون برحمته (١).
أو أن يكون الآثار هو المطر نفسه ، جعله من آثار رحمته وأعلامه.
ثم الأمر بالنظر والاعتبار بآثار رحمته يحتمل وجوها :
أحدها : أمرهم بالنظر إلى ذلك ؛ ليعلموا أنه رحيم ؛ كي يرغبوا فيما رغبهم ويرجوا فيما أطمعهم ودعاهم إليه ؛ إذ قد ظهر آثار رحمته ؛ فكل رحيم يرغب فيما رغب وأطمع.
أو أن يكون الأمر بالنظر إلى آثار رحمته ؛ إذ ذلك راجع إلى منافع أبدانهم وأنفسهم وما به قوامهم ؛ ليتأدى بذلك شكره ، وفي ذلك يقع الحاجة إلى من يعرفهم تلك النعم ويعرف شكرها ؛ فيكون في ذلك الترغيب في قبول الرسالة وإثباتها.
أو أن يكون سمى المطر : رحمة ؛ لما يرجع ذلك إلى منافع أبدانهم وما به قوام أنفسهم ؛ ليعرفوا الرحمة هي راجعة إلى منافع دينهم وآخرتهم ، وهو رسول الله ؛ إذ سماه في غير موضع : رحمة بقوله : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) [الأنبياء : ١٠٧].
أو أن يأمر بالنظر إلى ذلك المطر ، وأنه كيف يحيي هذه الأرضين الموات ، وينبت فيها من ألوان النبات؟! وهذه الأشجار اليابسة كيف تخضر بعد يبوستها بهذه الأمطار؟! ليعرفوا أن من ملك هذا ، وقدر على ذلك ، وهو خارج عن وسعهم وتقديرهم لقادر على إحياء الموتى وبعثهم بعد الممات ، وإن كان خارجا عن تقديرهم ووسعهم ، وهو على كل شيء قدير لا يعجزه شيء.
وقوله : (وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا).
يعني به : الزرع والنبات الذي أخرج من الأرض بالمطر.
قال بعضهم (٢) : رأوه يابسا إذا أصابته الريح الباردة.
(لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ).
__________________
(١) ينظر : اللباب (١٥ / ٤٣٦).
(٢) قاله البغوي (٣ / ٤٨٧).