قال الحسن (١) في قوله : (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا ...) إلى آخره قال : أمر أن يأخذ من ماله قدر عيشه ، ويقدم ما سوى ذلك لآخرته ، وكذلك قال في قوله : (وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ) أي : قدم الفضل وأمسك ما يبلغك.
(وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ) : قال : يكفيك ما أحل الله لك من الدنيا ؛ فإن فيه غناء وكفاية.
وأصله : ما روي عن نبي الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لك من الدنيا ما أكلت ولبست وأفنيت وما قدمت» (٢) جعل المقدم من الدنيا له ، وأمّا ما خلفه فهو لغيره.
وهكذا أمر الدنيا لم تخلق الدنيا لتبقى لأهلها أو يبقى أهلها فيها ، ولكن إنما خلقت لتفنى هي أو يفنى أهلها ، وخلقت الآخرة للبقاء ، فنصيبه من الدنيا ما قدم وأنفق في طاعة الله وفي سبيله ليس ما خلفه في هذه الدنيا.
وقوله : (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ) يحتمل قوله : (وَأَحْسِنْ) إلى نفسك في العمل للآخرة كما أحسن الله إليك ، وأحسن إلى الخلق كما أحسن الله إليك.
وقوله : (وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ) : هذا يدل أنه كان ينفق ماله إلا أنه كان ينفق في الصدّ عن سبيل الله ؛ حيث قال : (وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ) ، ولو كان في ترك الإنفاق لم يكن في ذلك بغي الفساد في الأرض.
ثم الواجب على من حضر الملوك وشهد مجالسهم من أهل العلم أن يخوفوا الملوك ، ويواعدوهم بما أوعد قوم موسى قارون وخوفوه ، ويأمروهم بالصلاح في أنفسهم وفي رعيتهم ، كما أمر أولئك قارون ، وينهوهم كما نهاه أولئك ، فإن أجابوهم وإلا امتنعوا عنهم وكفوا أنفسهم عن الاختلاف إليهم ، فإن لم يفعلوا فهم شركاؤهم في جميع ما يفعلون ، والله أعلم.
وقوله : (قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) : اختلف فيه :
قال بعضهم : إن قارون كان أخبر الناس بالتوراة وأعلمهم بها وسمي : قارون لذلك ، وذكر أنه سمي : المنور ؛ لحسن صوته بالتوراة. وقال بعضهم : سميّ : منورا لذكائه ، والله أعلم.
وقال بعضهم (٣) : قوله : (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) : وهو الكمياء ، ذكر أنه يعالج
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٢٧٦١٤) ، والفريابي وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم بنحوه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٦١).
(٢) أخرجه مسلم (٤ / ٢٢٧٣) كتاب الزهد والرقائق (٣ / ٢٩٥٨).
(٣) قاله سعيد بن المسيب كما في تفسير البغوي (٣ / ٤٥٥).