[يس : ١١] أضاف إنذاره إلى من اتبع الذكر ، وإن كان رسول الله ينذر من لم يتبع ، وكذلك ما قال في الشياطين : (يَدْعُوا حِزْبَهُ) [فاطر : ٦] إنما يدعو الحزبين جميعا ، لكنه أضاف دعاءه إلى حزبه لما منهم يكون له الإجابة ، وأضاف إنذار رسول الله إلى من اتبعه وقبله لطاعتهم له ؛ فعلى ذلك الأوّل ، أضاف ذلك إلى نفسه لفعلهم.
لكن عندنا لا يكون من الخلق في فعل الخلق حقيقة الفعل ، إنما يكون منهم الأسباب ، ويكون من الله ـ تعالى ـ في أفعالهم الأسباب ، وحقيقة الفعل ، فيكون إضافة ذلك إلى الله على حقيقة الفعل والأسباب جميعا وإلى الخلق لأسباب تكون منهم إليهم.
والثاني : إنما خصّ بالإنذار من اتبع الذكر ؛ لأنه إنما يقصد بالإنذار من اتبعه لا من لا يتبعه ، وكذلك الشيطان إنما يقصد بدعائهم إياهم حزبه منهم ، وإن كان الرسول ينذر الخلق جميعا : الذي سوف يتبعه والذي لا يتبعه ، وكذلك الشيطان يدعو الحزبين جميعا ؛ لأن هذا يقصد ضررهم بما يدعوهم إليه ؛ ألا ترى إلى قوله : (إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ) [فاطر : ٦] والرسول بما ينذر يقصد نفعهم ؛ لذلك خصّ الإنذار لمن اتبعه وخص في ذلك حزبه.
وقوله : (أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) ليس تصريحا ؛ لأنهم لو دعوهم إلى النار لا يجيبونهم ، ولكن يدعونهم إلى أعمال توجب لهم النار لو أجابوهم ، وهو كقوله : (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) [البقرة : ١٧٥] أي : ما أصبرهم على عمل يستوجبون به النار.
وقوله : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) كأن الشيطان مناهم النصر والشفاعة بعبادة الأصنام ، فيخبر أنهم لا ينصرون لما مناهم.
وقوله : (وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً) وهو ما عذبوا في الدنيا واستؤصلوا (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) قال بعضهم : مسودون وجوههم.
وجائز أن يكون ذلك جزاء ما افتخروا في هذه بالحلي والزينة ، وطعنوا في موسى جوابا لهم على ما قالوا : (فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ) [الزخرف : ٥٣] يخبر أنهم يكونون في الآخرة على غير الحال التي كانوا في الدنيا وافتخروا بها.
وقال بعضهم (١) : المقبوح : هو السواد مع الزرقة.
__________________
(١) قاله ابن عباس ، كما في تفسير البغوي (٣ / ٤٤٧).