ابن مسعود وأبيّ وحفصة : إن كادت لتشعر به.
وقوله : (وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ) أي : اتبعي أثره.
وقوله : (فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ) قيل (١) : عن بعد ، أي : كانت تتبع أثره عن بعد منه.
وقال بعضهم (٢) : الجنب : أن يسمو بصر الإنسان إلى موضع بعيد ، وهو إلى جنبه بقرب منه ، وذلك عند الناس معروف ظاهر فيهم ذلك.
وقال بعضهم (٣) : في قوله : (فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ) قال : مشيت بجانبه وهي معرضة عنه كأجنبية.
وقوله : (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) : أن هذه تراقبه أو تنظر إليه وتحفظه.
أو لا يشعرون أن هلاكهم على يديه.
بصرت وأبصرت واحد.
وقوله : (عَنْ جُنُبٍ) : عن ناحية بعيدة ، وجوانب : جماعة ، ويقال : رجل جنب وقوم أجناب ، وجانب وأجناب وأجانب وأجنبي أي : غريب ، وهذا كله من الاجتناب ؛ وهو قول أبي عوسجة والقتبي (٤).
وقوله : (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ) : حرم تحريم منع وحظر الذي ضده الإطلاق والإرسال ، لا التحريم الذي ضده الحل ، وذلك لطف من الله تعالى وفضل ورحمة ؛ حيث منع موسى عن أن يرتضع من النساء وهو طفل ، وهمّ أمثاله الارتضاع والرغبة في التناول من كل لبن ومن كل مرضع ترضعه لا تمييز لهم في الارتضاع ؛ فدل امتناعه وكفه نفسه عن الارتضاع من النساء أجمع أن ذلك لطف من الله أعطاه ليمتنع عنه.
فعلى ذلك جائز أن يكون عند الله لطف لو أعطى الكافر الذي همته الكفر والرغبة فيه لآمن واهتدى ، لكنه لما عرف رغبته وهمته فيه واختياره له منع ذلك عنه ولم يعطه.
وهذا الحرف ينقض على المعتزلة مذهبهم في زعمهم أن الله قد أعطى كل كافر السبب الذي به يؤمن وما به يصير مؤمنا ، حتى لم يبق شيء مما يكون به إيمانه إلا وقد أعطاه ، لكنه لم يؤمن ، فينقض قولهم ما ذكرنا من أمر موسى أن عنده لطفا لم يعطه لو أعطاه لآمن
__________________
(١) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢٧٢٢٣) و (٢٧٢٢٤) ، والفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٢٩).
(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٧٢٢٦).
(٣) قاله قتادة أخرجه ابن جرير (٢٧٢٢٥) ، وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٣٠).
(٤) ينظر : تفسير غريب القرآن ص (٣٢٩).