عجبا ؛ فيكون الحساب على هذا التأويل في موضع العلم واليقين ، كأنه قال : قد علمت أن أنباء أصحاب الكهف وأخبارهم آية عجيبة لرسالتك.
والثاني : إخبار عن أحوالهم وتقلبهم من حال إلى حال ، فإن كان على هذا ، فيكون الحسبان في موضع الحسبان ، كأنه قال : قد حسبت أن أحوالهم وتقلبهم كان من آياتنا عجبا ، هذا إذا كان الخطاب به لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأمّا إذا كان الخطاب به لغيره ، فإنه يجوز على الحسبان والظن وغيره ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ) : أي : انضم.
قال بعضهم (١) : الكهف : الغار في الجبل.
وقيل : الفضاء.
وقيل : الملجأ.
ولكن قد ذكرنا : أنا لا ندرى ما الكهف وما الرقيم؟ ذلك بلسانهم ، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة ، وهم الفتية اسم الأحداث منهم والشبان ، لا اسم المشيخة ، ثم يكون المماليك والخدم ، ويكون الأحرار ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) :
قال الحسن : (رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) أي : جنة ، (وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً) أي : يسيرا ، وهو ما ذكر في قوله : (يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً).
فهذا ليس بدعاء ، إنما هو تلقين وإلهام منه إياهم ، فيكون تفسيرا للأول.
وقال بعضهم (٢) : قوله : (آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) أي : رزقا ؛ لأنهم كانوا يفارقون قومهم ؛ لكفرهم ؛ ليسلم لهم دينهم الذي هم عليه ، وهو الإسلام ، وقد عرفوا أنه يسع مفارقة الناس طلبا لسلامة الدين ، ولكن لم يعرفوا أنه يسع قوتهم ، وما به قوام أنفسهم إلى مكان خال عن ذلك فسألوا ربهم الرزق ؛ إشفاقا على أنفسهم بقولهم : (آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) أي : رزقا (وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً) أي : احمل جميع أمورنا على الصواب والرشد على ما ذكرنا : أنهم عرفوا سعة المفارقة للدين ، ولكن لم يعرفوا سعة ذلك ؛ إذا كان فيه خوف هلاك أنفسهم ، فسألوا ربهم أن يحمل أمرهم ذلك على الرشد والصواب.
__________________
(١) قاله الضحاك أخرجه ابن جرير عنه (٢٢٨٩٧).
(٢) قاله البغوي (٣ / ١٥٢).