إن كتاب الصحاح رغم عظمته وعظمة مؤلّفه الإمام اللغويّ الجوهريّ ، لم يسلم من النقود ، ولم يخل من الأغلاط والأوهام ، وقد عرفت أنّ كثيرا من تغليطات الفيروزآباديّ لهذا الإمام اللغويّ كانت في غير محلّها ، وتحاملا بلا مسوّغ عليه ، لكنّ ذلك لا يصدنا عن القول بأن قسما منها كانت في محلّها ، وإن حاول البعض تصحيحها بوجوه بعيدة وتمحّلات غريبة ، لكنّ هناك منها ما غلّطه فيها الفيروزآباديّ ، ووقع هو أيضا في الغط ، فكان الإشكال متقابلا في الطرفين ، وقد ذكر السيّد جملة صالحة من هذا النوع ، إليك بعضها :
* قال السيّد المصنف في مادة « أثأ » : وأَثَأْته بسهم إثاءة ـ كأبحته إباحة ـ أي رميته به ، موضعه « ث وأ » كما أورده الفارابي في ديوان الآدب (١) ، لا هنا كما توهّمه الفيروزآباديّ تبعا لأبي عبيد (٢) ، ولا « ث أ ث أ » كما توهّمه الجوهري.
* وقال في مادة « ثفأ » : الثّفاء كغراب وتفّاح : حبّ الرّشّاد ، واحدته بهاء ، ومنه الحديث : ما في الأمرّين من الشّفاء الصّبر والثّفاء.
قال جار الله : سمّي بذلك لما يتبع مذاقه من لذع اللسان لحدّته ؛ من قولهم : ثفاه يثفوه ويثفيه ، أي تبعه ، وهمزته منقلبة عن واو أو ياء على اللغتين (٣).
__________________
(١) ومثله صنع الصاغاني حيث أورده في « ثأثأ » من تكملته وصرح بان موضعه « ثوأ ».
(٢) لكنّه ذكره في « ثأثأ » منبها على أن موضعه « ثو » ، وذكره في « ثوأ » ثمّ قال : وذكر في « أثا » فكأنّه متخبّط في موضعه.
(٣) وصرّح بمثل ذلك الصاغاني في العباب. وهو الصحيح اشتقاقا ، وإن احتمل ابن سيده ضعيفا ان الهمزة هكذا وضعا. انظر تاج العروس.