يقل فدككن لأنه جعل الجبال كلها كالجملة الواحدة ، ومثله قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) (١) وقيل : دكّتا : بسطتا بسطة واحدة ، ومنه اندك سنام البعير ؛ إذا انفرش على ظهره (فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) أي : قامت القيامة (وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ) أي : انشقت بنزول ما فيها من الملائكة ، فهي في ذلك اليوم ضعيفة مسترخية. قال الزجاج : يقال : لكل ما ضعف جدّا قد وهي فهو واه ، وقال الفرّاء : وهيها : تشقّقها (وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها) أي : جنس الملك على أطرافها وجوانبها ، وهي جمع رجا مقصور ، وتثنيته رجوان ، مثل قفا وقفوان ، والمعنى : أنها لما تشقّقت السماء ، وهي مساكنهم ، لجئوا إلى أطرافها. قال الضحاك : إذا كان يوم القيامة أمر الله السماء الدنيا فتشققت ، وتكون الملائكة على حافاتها حيث يأمرهم الربّ فينزلون إلى الأرض ، ويحيطون بالأرض ومن عليها. وقال سعيد بن جبير : المعنى : والملك على حافات الدنيا ، أي : ينزلون إلى الأرض ، وقيل : إذا صارت السماء قطعا يقف الملائكة على تلك القطع التي ليست متشقّقة في أنفسها (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) أي : يحمله فوق رؤوسهم يوم القيامة ثمانية أملاك ، وقيل : ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عددهم إلا الله عزوجل ، وقيل : ثمانية أجزاء من تسعة أجزاء من الملائكة ، قاله الكلبي وغيره (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ) أي : تعرض العباد على الله لحسابهم ، ومثله : (وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا) (٢) ، وليس ذلك العرض عليه سبحانه ليعلم به ما لم يكن عالما به. وإنما هو عرض الاختبار والتوبيخ بالأعمال ، وجملة (لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ) في محل نصب على الحال من ضمير تعرضون ، أي : تعرضون حال كونه لا يخفى على الله سبحانه من ذواتكم أو أقوالكم وأفعالكم خافية كائنة ما كانت ، والتقدير : أيّ نفس خافية ، أو فعلة خافية.
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : (الْحَاقَّةُ) من أسماء القيامة. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير عنه قال : ما أرسل الله شيئا من ريح إلا بمكيال ، ولا قطرة من ماء إلا بمكيال ؛ إلا يوم نوح ويوم عاد. فأما يوم نوح فإن الماء طغى على خزانه فلم يكن لهم عليه سبيل ، ثم قرأ : (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ) وأما يوم عاد فإن الريح عتت على خزانها فلم يكن لهم عليها سبيل ، ثم قرأ : (بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ). وأخرج ابن جرير عن عليّ بن أبي طالب نحوه. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدّبور». وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر مرفوعا : «قال ما أمر الخزّان أن يرسلوا على عاد إلا مثل موضع الخاتم من الريح ، فعتت على الخزان فخرجت من نواحي الأبواب» فذلك قوله : (بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ) قال : عتوّها : عتت على الخزّان. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ) قال : الغالبة. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد ابن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني ، والحاكم وصحّحه ، عن ابن مسعود في قوله : (حُسُوماً) قال : متتابعات. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير من طرق عن ابن عباس في قوله :
__________________
(١). الأنبياء : ٣٠.
(٢). الكهف : ٤٨.