وله وجه آخر : وهو أنه قال : (وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى). ومن الإناث إماء ، وقد أمر بالاقتصاص بينهن ، فلئن وجب تخصيص ما ذكر خاصّا ، وجب أن يذكر عامّا ما ذكر فيه العموم.
فإن قيل : على عموم الاسم فى أحدهما ، وخصوص القول فى الآخر.
قيل : ليس هكذا. لو كان فى ذكر الوفاق فى الاسم منع الحق عن ذلك الوجه المذكور إذ ذكر فى الخلاف لم يدخل فيما ذكر فى الوفاق ما ليس منه. فإذا دخل علم أن ذكر الوفاق فى الخلاف فى حق إدخال ما ليس من شكله بمحل واحد.
ثم يقال : إن نفس العبد للعبد فى حق الجناية ، لا للمولى. إنما للمولى فى نفسه الملك والمالية ، ألا ترى أن العبد لو أقر على نفسه بالقصاص أخذ به ، ولو أقر عليه مولاه لم يؤخذ به. فدل أن نفسه له ، لا للمولى. فكان كنفس الحر للحر. فيجب أن يقتل الحر به ، إذ هو ساوى الحر فى حق النفس ، فيجب أن يسوى بينهما فى حق القصاص.
وقال بعض الناس : لا يقتل الحر بالعبد ؛ لأنه أفضل منه. ثم هو يقول : إنه يقتل الذكر بالأنثى. وهو أفضل. وقال : إن القصاص إنما ذكر فى المؤمنين. ثم قال بالعموم ، وألزم قتل الكافر بالمؤمن ، ولم يذكر فى القصاص الكافر ، وترك القصاص للكافر من المؤمن على عموم إيجاب القصاص على المؤمنين. فإذا جاز ترك القصاص ، على ما ذكر فيه ، وإدخال من لم يذكر فى حق الاقتصاص ، ما يجب إنكار مثله فى الذى ذكر عقيب ذكر الحق ؛ وهم بأجمعهم تحت الإيجاب مذكورين. ثم الإناث بالإناث مع اختلاف الأحوال يلزم القصاص ، كيف لا لزم مثله فى الأحرار؟
والأصل فى هذا : ألا يعتبر فى الأنفس المساواة. ألا ترى أن الأنفس تقتل بنفس واحدة. هكذا روى عن عمر ، رضى الله تعالى عنه ، «أنه قتل رجلا بامرأة». وروى أنه قتل سبعة نفر بامرأة ، وقال : لو تمالأ عليها أهل صنعاء لقتلتهم (١). وقال : وروى عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أنه قال : لا يقتل مسلم بكافر» (٢).
ثم قال صاحب هذا القول : لو أن كافرا قتل كافرا ثم أسلم القاتل يقتل به. فهو قتل
__________________
(١) أخرجه مالك (٢ / ٨٧١) ، ومن طريقه الشافعى (٣٣٣ ـ ترتيب المسند) ، وعنه البيهقى (٨ / ٤٠ ـ ٤١) ، وصححه العلامة الألبانى فى الإرواء (٢٢٠١).
(٢) طرف من حديث على ، أخرجه البخارى (١ / ٢٧٥) ، كتاب العلم باب كتابة العلم (١١١) ، وأحمد (١ / ٧٩) ، والترمذى (٣ / ٨٠) كتاب الديات باب ما جاء : لا يقتل مسلم بكافر (١٤١٢) ، وابن ماجه (٤ / ٢٤١ ـ ٢٤٢) ، كتاب باب لا يقتل مؤمن بكافر (٢٦٥٨) ، والنسائى (٨ / ٢٣) ، كتاب القسامة باب سقوط القود من المسلم للكافر.