يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ (٢٣) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ (٢٤) فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) (٢٥)
وقوله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ)
قوله : (أَلَمْ تَرَ) إنما يتكلم به لأحد معنيين :
إما للتعجب (١) من الأمر العظيم ؛ يقول الرجل لآخر : ألم تر فلانا يقول كذا ، أو يعمل كذا؟! يقول ذلك له ؛ لعظيم ما وقع عنده.
وإمّا للتنبيه.
فأيّهما كان ففيه تحذير للمؤمنين ؛ ليحذر المؤمنون عن مثل صنيعهم ؛ كقوله : (وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ) [الحديد : ١٦] من قبل الآية ؛ حذر المؤمنين أن يكونوا مثل أولئك الذين أوتوا الكتاب ، ولا يخالفوا كتابهم كما خالفوا هم.
وقوله : (يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ) :
يحتمل أن يكون أراد بالكتاب : التوراة (٢) ؛ على ما قيل : إن النبي صلىاللهعليهوسلم قال لهم : «أسلموا تهتدوا ، ولا تتكبّروا» فقالوا : نحن أهدى وأحق بالهدى منك. وما أرسل الله رسولا بعد موسى [عليهالسلام](٣) فقال لهم النبي صلىاللهعليهوسلم : «بينى وبينكم التّوراة والإنجيل ؛ فإنّه مكتوب فيهما» يعني : وإني رسول الله ، فأبوا ذلك خوفا وإشفاقا على ظهور كذبهم (٤).
وقيل : أراد بالكتاب : القرآن ، دعوا إليه (٥) ؛ لأنه مصدّق لما معهم من الكتاب ، فأبوا ذلك.
وقوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ)
__________________
(١) في ب : على التعجب.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم (٢ / ١٦٥) ، (٢٨٥) عن أبي مالك ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٥) وعزاه إلى ابن أبي حاتم.
(٣) في ب : صلىاللهعليهوسلم.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٨٨ ، ٢٨٩) ، برقمي (٦٧٨١) ، (٦٧٨٢) وابن أبي حاتم (٢ / ١٦٥ ، ١٦٦) (٢٨٦) عن ابن عباس ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٤) وزاد نسبته إلى ابن إسحاق.
(٥) وهو قول قتادة ، أخرجه الطبري (٦ / ٢٨٩ ، ٢٩٠) ، برقمي (٦٧٨٣ ، ٦٧٨٤) وابن أبي حاتم (٢ / ١٦٧) (٢٨٩) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٤) وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وابن المنذر.