فلا ندري كيف كانت القصة؟ ولكن فيه إثبات دلالة رسالة [رسولنا](١) محمد صلىاللهعليهوسلم حيث أخبر عمّا أسرّوا ، وأظهر ما كتموا.
قال أبو يزيد : إنما قدر أهل الكتاب على تغيير كتابهم ، والزيادة فيه والنقصان ، ولم يكن لأحد تغيير القرآن عن وجهه ، أو زيادة فيه أو نقصان منه ؛ لأن كتبهم تشبه كلام غيره من الحكماء (٢) ؛ فغيروا بغيره من كلام الحكماء ، وأمّا القرآن : فهو آية معجزة ، لم يقدروا على تحريفه ولا تبديله ، وإن علم أنه كان كما ذكر ؛ وإلا فهو ـ والله أعلم ـ ليهتك عليهم أستارهم ، وليظهر منهم (٣) ما كتموا ، وفيه إثبات لرسالة (٤) محمد صلىاللهعليهوسلم.
قوله تعالى : (قُلْ صَدَقَ اللهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٩٥) إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (٩٦) فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ)(٩٧)
[وقوله : (قُلْ صَدَقَ اللهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) الآية :
قد ذكرنا فيما تقدم (٥)](٦).
وقوله : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً) :
قيل فيه بوجوه ؛ قيل : إن أوّل بيت مبارك وضع للناس هو بكة (٧).
وقيل : أوّل مسجد وضع للناس مكة (٨).
وقيل : يريد ب «بكة» البقعة (٩) ، أي : أوّل بقعة خلق الله هو بكة ، ومنها دحيت
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) وهم : المشتغلون بعلم الحكمة ، وهو علم يبحث فيه عن حقائق الأشياء على ما هي عليه في نفس الأمر بقدر الطاقة البشرية ، وموضوعه الأشياء الموجودة في الأعيان والأذهان.
ينظر : أبجد العلوم (٢ / ٢٤٥).
(٣) في ب : عليهم.
(٤) في ب : الرسالة رسالة.
(٥) عند قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [البقرة : ١٣٥] ، وقوله ـ تعالى ـ : (وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً ...) [آل عمران : ٦٧].
(٦) ما بين المعقوفين سقط من ب.
(٧) أخرجه ابن جرير (٧ / ١٩) برقم (٧٤٢٢) ، (٧٤٢٣) ، وابن أبي حاتم (٢ / ٤٠٣) (٩٦٤) عن علي ، وعن السدي أخرجه ابن جرير (٧٤٣١) ، وابن أبي حاتم (٢ / ٤٠٢) (٩٦٣) ، وعن مطر الوراق أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٠) (٧٤٢٥). وعن الشعبي أخرجه ابن أبي حاتم (٩٦٢) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٩٣) وزاد نسبته لابن المنذر.
(٨) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٠) برقم (٧٤٢٤) عن الحسن البصري ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٩٣) وزاد نسبته لابن المنذر.
(٩) أخرجه البيهقي في الشعب عن ابن عباس مرفوعا (٣ / ٤٣٢) ، رقم (٣٩٨٤) وابن جرير الطبري (٧ / ٢١) برقم (٧٤٢٩) عن مجاهد. وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٩٣) وعزاه للبيهقي في الشعب.