وفي قوله : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) جواز العمل بالاجتهاد ؛ لأنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ عمل بالاجتهاد لا بالأمر ، حتى منع عنه ، والله أعلم.
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ قوله : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) يحتمل أن يكون على أثر أمر مما جبل (١) عليه البشر ما رأى في ذلك صلاح الخلق ، ومما عليه التدبير بحيث الإطلاق فقيل هذا ، وإن كان على ما رأيت فليس لك من أمر هذا شيء ، وإنما الذي إليك الصفح عن ذلك والإعراض ، والله أعلم ما كان.
ويحتمل أن يكون يبتدئ القول به من غير أن يسبق منه ما يعاتب عليه أو يمنع منه ؛ ليكون ـ أبدا ـ متقبلا الإذن له في كل شيء والأمر ، ولا يطمع نفسه في شيء لم يسبق له البشارة به ، على أن النهي والوعيد أمران جائزان ، وإن كان قد عصم عن ركوب المنهي ، ووجوب الوعيد ؛ إذ هنالك تظهر رتبة العصمة ، ولا قوة إلا بالله.
والظاهر أن يكون على إثر أمر استعجل ذلك من : دعاء الإهلاك أو الهداية لقبول الحق والخضوع له ؛ فيقول : ليس لك شيء من ذلك في أحد على الإشارة إليه ، إنما ذلك إلى الله ، يصنع فيهم ما عنده من الثواب أو التعذيب ، على قدر ما يعلم من إقبالهم على الطاعة له أو نفاذهم عنها ، والله أعلم (٢).
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٣٠) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (١٣١) وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)(١٣٢)
وقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً).
قوله : (لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا) ـ كقوله : (وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا) ففيه نهي عن الأخذ ؛ كقوله : (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ) [النساء : ١٦١] ؛ فعلى ذلك قوله : (لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا) أي : لا تأخذوا.
وقوله : (أَضْعافاً مُضاعَفَةً)
فإن قيل : ما معنى النهي عن المضاعفة وغير المضاعفة حرام؟! لكنه يحتمل هذا وجوها :
__________________
(١) يقال : جبل الله الخلق يجبلهم ويجبلهم : خلقهم ، وجبله على الشيء : طبعه ، وجبل الإنسان على هذا الأمر ، أي : طبع عليه. اللسان (١ / ٥٣٨) (جبل).
(٢) وفي الاعتراض : أي في قوله : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) تخفيف من حزنه لكفرهم وحرصه على هداهم ؛ كما قال ـ تعالى ـ : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [البقرة : ٢٧٢] ، أفاده العلامة القاسمي.
ينظر : محاسن التأويل (٤ / ٢٢٤).