قوله : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة : ١٨٣] ، كأنه قال ـ والله أعلم ـ : من كان منكم مريضا أو على سفر فأفطر ، فعدة من أيام أخر ، وكقوله : (أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ) معناه ـ والله أعلم ـ أو به أذى [فلو أزال](١) من رأسه ففدية ، وإلا كون الأذى فى رأسه لا يوجب عليه الفداء حتى يزيل ، كقوله : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) [البقرة : ١٨٣] ، أى من اضطر فأكل منها غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه. والاضطرار نفسه لا يوجب الإثم.
ثم اختلف أهل العلم فى الإحصار : ما هو؟ وبم يكون؟ وهل يحل؟
روى عن ابن مسعود (٢) ، رضى الله تعالى عنه ، أنه قال : «إذا أحصر الرجل من مرض أو حبس أو كسر أو شبه ذلك ، بعث الهدى وواعد يوم النحر ومكث على إحرامه على أن يبلغ الهدى محله ، وعليه الحج والعمرة جميعا من قابل».
وعن (٣) عروة بن الزبير (٤) قال : «الحصر (٥) من كل شىء يحبسه : عدو ومرض».
وروى مرفوعا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «من كسر أو عرج فقد حل ، وعليه الحج
__________________
ـ وقد ذهب جمهور العلماء إلى وجوب ذبح الهدى على المحصر لكى يتحلل من إحرامه ، وأنه لو بعث به واشتراه ، لا يحل ما لم يذبح. وهو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة وقول أشهب من المالكية. وذهب المالكية إلى أن المحصر يتحلل بالنية فقط ، ولا يجب عليه ذبح الهدى ، بل هو سنة ، وليس شرطا. وقد استدل الجمهور بقوله تعالى : (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) على ما سبق. واحتج الجمهور أيضا بالسنة : «بأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يحل يوم الحديبية ولم يحلق رأسه حتى نحر الهدى» ؛ فدل ذلك على أن من شرط إحلال المحصر ذبح هدى إن كان عنده. وأما وجه قول المالكية ودليلهم فهو دليل من جهة القياس ، وهو كما ذكره أبو الوليد الباجى أنه تحلل مأذون فيه ، عار من التفريط وإدخال النقص ؛ فلم يجب به هدى ، أصل ذلك : إذا أكمل حجه.
ينظر : الهداية وشروحها (٢ / ٢٩٧) ، البدائع (٢ / ١٧٧ ـ ١٧٨) ، متن التنوير ورد المحتار (٢ / ٣٢١) ، المهذب (٨ / ٢٤٢) ، المغنى (٣ / ٣٥٧ ، ٣٥٨) ، الكافى (١ / ٦٢٥).
(١) سقط فى أ.
(٢) أخرجه سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبى حاتم من طريق إبراهيم عن علقمة عنه كما فى الدر المنثور (١ / ٣٨٣).
(٣) زاد فى أ ، ب : وعن ابن الزبير.
(٤) أخرجه ابن جرير (٣٢٣٧) ، وابن أبى شيبة كما فى الدر المنثور (١ / ٣٨٤).
وهو : عروة بن الزبير بن العوام الأسدى ، أبو عبد الله المدنى ، أحد الفقهاء السبعة ، وأحد علماء التابعين ، وقال الزهرى : عروة بحر لا تكدره الدلاء ، مات سنة اثنتين وتسعين ، وقال خليفة : سنة ثلاث. وقال ابن سعد : سنة أربع. وقال يحيى بن بكير : سنة خمس. قلت : قيل : عروة عن أبيه مرسل ينظر الخلاصة (٢ / ٢٢٦) (٤٨٢٦).
(٥) فى أ ، ب : المحصر.