مالٍ وَبَنِينَ. نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ) [المؤمنون : ٥٥ ـ ٥٦] ونحو ذلك من الآيات ـ فيها وجهان على المعتزلة :
أحدهما : قولهم في الأصلح : إن الله ـ تعالى ـ لو فعل بالخلق شيئا غيره أصلح لهم في الدين في حال المحنة ـ كان ذلك جورا ، ومعلوم أن الفعل بهم ؛ ليزدادوا إثما لا يبلغ في الصلاح في الدّين الفعل بهم ؛ ليزدادوا به برّا ، ومعلوم أنه لو كان كذلك لم يكن ليجوز أن يحذر رسوله صلىاللهعليهوسلم عن ذلك ، فيقول : لا يعجبك كذا ؛ فكأنه قال : لا يعجبك الذي هو صلاح في الدّين ، ثم يؤكد ذلك بأنه جعل لهم ذلك ليعذبهم بها ، ثم شهد على من حسب ما حسبته المعتزلة بأنهم لا يشعرون ؛ فكان ذلك شهادة منه ـ عزوجل ـ على كل من وافق رأيه رأي أولئك الكفرة : أنهم لا يشعرون ، ومعلوم أن الجبابرة والفراعنة لو لم يجعل الله ـ تعالى ـ لهم تلك الحواشي والملك والقوة لم يكن ليجترءوا على دعوى الربوبية ، ويبلغوا في المآثم ما بلغوا ؛ فيكون فوت ذلك أصلح لهم في الدين ، وقد قال الله ـ تعالى ـ : (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ ..). الآية [الزخرف : ٣٣] ، ثم كان معلوما أنه إذا كان بما يجعل ذلك للكفرة يكفرون ، فلو جعل للمؤمنين يؤمنون ، ثم لم يجعل كذلك ، [والله أعلم](١). وأيّد ذلك قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها ..). الآية [التوبة : ٥٥].
والثاني : أن الإرادة إذ هي صفة لكل فاعل مختار في الحقيقة ، وقد أخبر لأي وجه أعطى ؛ ثبت أنه أراد ذلك مع ما كان المتعالم من فعل كل أحد لا يخرج على ما أراده ولا يبلغ به ما لو فعل أنه يكون على جهل أو سفه.
فالأول : يكون فعله على ظن أن يكون ذلك فلا يكون.
والثاني : إذا علم ألا يكون ؛ فيكون له به عابثا سفيها ، جلّ الله ـ تعالى ـ عن الوجهين ؛ ثبت أن فعله لما علم أنه يكون لا لغيره ليلحقه به وصف جهل أو سفه ؛ وبهما سقوط الربوبية.
ثم وجهت المعتزلة الآية إلى وجهين :
أحدهما : على التقديم والتأخير بمعنى : ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم ليزدادوا إثما إنما نملى خير لأنفسهم. وذلك فاسد لوجهين :
أحدهما : لو كان جعل الخير شرّا والشرّ خيرا بالتأويل ، وصرف الآية عن سياقها ونظمها ـ لجاز ذلك في كل وعد ووعيد ، وأمر ونهي ، وتحليل وتحريم ؛ فيصير كل أمور
__________________
(١) ما بين المعقوفين سقط من ب.