رأوا سواد المؤمنين [كثيرا](١) يرهبهم ذلك ويخوفهم ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) [الأنفال : ٦٠](٢).
ويحتمل : أو ادفعوا العدو عن أنفسكم ؛ لما لعلهم يقصدون أنفس المؤمنين المقاتلين ، أو ادفعوا عن أموالكم وذراريكم ويقصدون ذلك ، أو ادفعوا عن دينكم إذا قصدوا دينكم ، وقد يقصدون ذلك ، أو أن يكون قوله ـ عزوجل ـ : (قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا) ـ واحدا ، أي : قاتلوا في سبيل الله وادفعوا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لَاتَّبَعْناكُمْ)
يعني : المنافقين ، قيل : قال المنافقون الذين تخلفوا في المدينة (٣) لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : قال ذلك غيرهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ) :
يعني : المنافقين ، أخبر أنهم إلى الكفر أقرب من الإيمان للكفر وإلى الكفر من الكفر ، كل ذلك لغة ، وفي حرف حفصة : هم «إلى الكفر أقرب» ، وتأويله ـ والله أعلم ـ : أن المنافقين كانوا لا يعرفون الله ـ عزوجل ـ ولا كانوا يعبدونه ؛ فإنما هم عباد النعمة ، يميلون إلى حيث مالت النعمة : إن كانت مع المؤمنين ؛ فيظهرون من أنفسهم الوفاق لهم ، وإن كانت مع المشركين فمعهم ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ ..). الآية [النساء : ١٤١] ، وكقوله ـ عزوجل ـ : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ ..). الآية [الحج : ١١] ، وأما الكفار : فإنهم كانوا يعرفون الله ، لكنهم كانوا يعبدون الأصنام والأوثان لوجهين :
أحدهما : لما اتخذوها أربابا.
والثاني : يطلبون بذلك تقربهم إلى الله زلفى ؛ كقولهم : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] ، لكنهم إذا أصابتهم الشدة ، ولم يروا فيما عبدوا الفرج عن ذلك ـ فزعوا إلى الله عزوجل ، كقوله ـ تعالى ـ : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) ومن أجمل ما يروى في هذا : ما ذكره القرطبي في تفسيره (٤ / ١٧٠) قال : وقال أنس بن مالك : رأيت يوم القادسية عبد الله بن أم مكتوم الأعمى وعليه درع يجر أطرافها ، وبيده راية سوداء ؛ فقيل له : أليس قد أنزل الله عذرك؟ قال : بلى ، ولكني أكثر سواد المسلمين بنفسي. وروي عنه أنه قال : فكيف بسوادي في سبيل الله؟!
(٣) أخرجه ابن جرير (٧ / ٣٧٨ ـ ٣٨٠) (٨١٩٣) عن الزهري وغيره ، (٨١٩٤) عن ابن إسحاق (٨١٩٥) ، عن السدي ، (٨١٩٦) عن عكرمة ، ذكره السيوطي في الدر (٢ / ١٦٧).