كقوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ. ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ) [عبس : ٣٨ ـ ٣٩] ، ووصف وجوه أهل الجنة بالضحك ، وليس على حقيقة الضحك ؛ ولكن وصف بغاية السرور والفرح ؛ وكذلك وجوه أهل النار وصفها بالغبر والقتر ؛ وهو وصف بشدة الحزن (١) ، والله أعلم.
وقوله : (أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) :
يحتمل وجوها :
يحتمل : أكفرتم بألسنتكم بعد ما شهدت خلقتكم بوحدانية الله تعالى ؛ لأن خلقة كل أحد تشهد على وحدانيته.
ويحتمل : أي : كفرتم بعد ما آمنتم بمحمّد صلىاللهعليهوسلم قبل أن يبعث بوجودكم ، نعته وصفته في كتابكم (٢) وعلى هذا قال بعض أهل التأويل : (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ) [الشورى : ١٦] : أي : على استجابة كثير منهم من الأجلّة والكبراء ، الذين لا يعرفون بالتعنت في الدّين ولا بالتقليد ، [والله أعلم](٣).
ويحتمل قوله : أكفرتم أنتم بعد أن آمن منكم فرق؟! ؛ لأن منهم من قد آمن ، ومنهم من كفر ، فقال لمن كفر : أكفرتم أنتم وقد آمن منكم نفر؟! ألا ترى أنه قال : (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِ) [الأعراف : ١٥٩] والله أعلم ؛ وكقوله : (فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ)؟! [الصف : ١٤].
وقيل : أراد بالإيمان ـ الذي قالوا حين أخرجوا من ظهر آدم (٤).
وفي الآية ردّ قول المعتزلة بتخليد أهل الكبائر (٥) في النار ، وإخراجهم إياهم من الإيمان من غير أن أدخلوهم في الكفر (٦) ؛ لأنه ـ عزوجل ـ لم يجعل إلا فريقين : بياض
__________________
(١) ينظر : اللباب في علوم الكتاب (٥ / ٤٥٣ ـ ٤٥٤).
(٢) وهو قول عكرمة. ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١١٢) وعزاه إلى الفريابي وابن المنذر.
(٣) بدل ما بين المعقوفين في ب : والله الموفق.
(٤) وهو قول ابن جريج ، أخرجه ابن أبي حاتم (٢ / ٤٦٦) (١١٤٦).
(٥) الكبائر : جمع كبيرة. قال النووي : «قال بعض العلماء : كل ما نص الله ـ تعالى ـ عليه أو رسوله وتوعد عليه أو رتب عليه حدا أو عقوبة ويلحق به ما في معناه من المفسدة.
ثم قال النووي : واختلف العلماء في حد الكبيرة وتمييزها من الصغيرة ، فجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما : كل شيء نهي الله تعالى عنه فهو كبيرة ، وبهذا قال الأستاذ أبو إسحاق الأسفرائيني الفقيه الشافعى ، وحكاه القاضي عياض عن المحققين ، وروي عن ابن عباس أيضا : الكبائر : كل ذنب ختمه الله تعالى بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب أو حد في الدنيا».
راجع : شرح النووي على صحيح مسلم (١ / ٢٧٩ ، ٢٨٠).
(٦) قالت المعتزلة والخوارج : صاحب الكبيرة إذا لم يتب عنها يخلد في النار ولا يخرج منها أبدا ، واستدلوا على ذلك بالآيات المشتملة على لفظ الخلود في وعيد صاحب الكبيرة ، وأجيب : بأن ـ